42 بالمئة من حالات تأخر زواج الفتيات بسبب تأثير الأب والأم، وذلك حسب الاستطلاع الذي أشار إليه عضو في المجلس الوطني الاتحادي مؤخراً. ونعرف، كأشخاص لدينا عائلات، وأصدقاء، كيف تجري الأمور عندما يتقدم أحدهم لخطبة فتاة، ونعرف أن زيجات كثيرة لا تتم بسبب تأثير الوالدين. ومن بين أطروحات عالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي، أطروحته التي تتطرق إلى ازدواج الشخصية العربية، ما بين ما يجب أن تكون عليه، وبين ما هي عليه، فهذه الشخصية تتكلم في شيء، وتفعل شيئاً آخر. هي شخصية تمجّد الشجاعة والتضحية والإيثار والكرم والصدق والأمانة والإخلاص في العمل.. الخ، لكنها في الواقع لا تلتزم بتلك القيم في أكثر الأوقات، لأننا بشر في النهاية. ولا يمكن أن نغفل دور ازدواج الشخصية في الزواج، إذ ربما كان تأثير هذه الحالة ضعيفاً في أي علاقة إنسانية نقيمها، لكن التأثير يكون في أقوى حالاته عند المصاهرة، فنحن نتقبّل الآخرين كأصدقاء وزملاء عمل، مع علمنا بأنهم ليسوا من العظماء، لأنهم لن يكونوا جزءاً لا يتجزأ منا، وبسهولة يمكن قطع العلاقة بهم. وتجعلنا أيضاً نتقبّل أهلنا كما هم، وهو تقبّل إجباري نقف أمامه مقيدي الأيدي بحبال الرحم. لكننا نملك هامشاً كبيراً من الحرية في رفض أن يكون الآخرون جزءاً لا يتجزأ منا بالمصاهرة، أي أننا لسنا مجبرين بأن نفتح بيوتنا لشخص عرفنا أنه كذب في إحدى المرات، أو أظهر شيئاً من علامات البخل في موقف من المواقف، أو جبُن مثلاً في اتخاذ قرار ما، أو سمعنا أنه في يوم ما أقام علاقة غرامية، أو حتى كانت شفتاه تدل على أنه مدخّن، أو قيل إنه مهمل في عمله، أو متعثر في سداد ديونه، أو يسمح لوالديه بالتدخّل في حياته، إذ كل هذه الأمور، أو حتى وجود واحدة منها، تجعلنا لا نرتاح لهذا الشخص، لا لعيب صارخ فيه، فنحن قد نكون أسوأ منه، لكننا لا يمكن أن نرفض أنفسنا، بينما بسهولة يمكن أن نرفض غيرنا. وربما كان الأب يعلم أن ابنه متهور ولديه علاقات غرامية ويدخّن، لكنه ابنه في النهاية. بينما الشاب الذي يتقدم لخطبة ابنته، وقد يكون من عمر ابنه، يجب أن يكون ذلك الشخص الرائع، ويقارنه وهو يسأل عنه بالشخص النموذجي الذي تصفه كتب الأخلاق ومواعظ الخطباء. وربما كانت الأم تتأذى بنفسها من طول لسان ابنتها، ومن كسلها وعدم رغبتها إلا في الجلوس أمام الكمبيوتر، لكن ما الذي يجبرها على تقبّل زوجة لابنها بتلك المواصفات؟ إننا نريد أن يكون الشخص الذي يدخل بيتنا ويصبح فرداً منا، إنساناً تتجلى فيه كل القيم الجميلة التي يجب أن يتحلى بها كل إنسان عظيم، وهذا الشخص لا وجود له إلا في الكتب الثمينة. ويضاف إلى هذا، فإن بحبوحة العيش تجعلنا أكثر تضرراً من ازدواجية الشخصية، ففي المجتمعات التي تعيش حياة قاسية، لا يملك الناس، وإن كانوا مزودجي الشخصية، ترف رفض تقبّل الأشخاص العاديين، بينما نحن نفكر بطريقة: ما الذي يجبرنا على المرّ ما دامت أوضاعنا جيدة ونستطيع أن نوفر لأبنائنا سُبل العيش الكريم دائماً؟