في الوقت الذي يستمر زخم الحراك الثوري العربي في عز الصيف الثاني منذ انطلاق شرارة التغيير في الجمهوريات العربية من شمال أفريقيا حتى اليمن في أقصى الجزيرة العربية والتساؤل مستمر حول حالتين: متى يصل "الربيع العربي" لبقية الجمهوريات (السودان والجزائر ولبنان؟)، حيث أثبتت الجمهوريات أنها أقل حصانة من الملكيات العربية في التعامل مع موجة التغيير. خاصة وأن آخر من أنضم إلى ركب موجة التغيير العربي السودان. والسؤال الثاني هل الملكيات، وخاصة في دول الخليج العربية هي أقدر وانجح وأكثر تحصيناً وشرعية كأنظمة من الجمهوريات حيث بقيت مستقرة إلى حد كبير ولم تشهد التغيير العميق أو الثوري والعنفي، الذي شهدته خلال العشرين شهراً الماضية العديد من الجمهوريات العربية. ولكن نتاج "الربيع العربي" كان حتى فوز محمد مرسي برئاسة مصر لم يكن مطمئناً ومقنعاً، وأفقد "الربيع العربي" زخمه وحيويته. شكل فوز محمد مرسي برئاسة مصر، وهو القادم من خارج مؤسسة الحكم السياسي ومن خارج المؤسسة العسكرية التي حكمت مصر طوال العقود الستة الماضية، تحولًا جذرياً في المشهد العربي. وأعاد ضخ جرعة من الأمل وزخماً وانطباعاً بالتفاؤل أن "الربيع العربي" بدأ يزهر، وأن حصاده ليس كله فوضى واضطرابات وعدم استقرار، بل تمكين الشعوب ورفع صور الرئيس والتصفيق له من مئات الآلاف عن قناعة وقبول وليس خوفاً ورهبة. ولكن هل هذا التفاؤل مبالغ به؟ وهل ستعود الجماهير الغاضبة بعد لتهتف وتتظاهر ضد مرسي بعد أن يفشل في تحقيق الوعود التي قطعها مع حزبه وتحالفه؟ بعض الكتاب ووكالات الأنباء والإعلام العربية والأجنبية التي شاركت خلال الأسبوعين الماضيين بمقابلات معها بسبب، ما جرى ويجري في البحرين. ولكن ما أعاد الخليج إلى الواجهة كان التطورات السريعة في المشهد السياسي الكويتي وما حدث فيه مؤخراً. فقد أصدر سمو الأمير مرسوماً يفعل فيه المادة 106 من الدستوري التي تمنح الأمير الحق في تعليق اجتماعات مجلس الأمة لمدة شهر. تلي ذلك تطور درامي شكل سابقة في العمل البرلماني والسياسي في الكويت بصدور حكم محكمة الاستئناف ببطلان حل مجلس الأمة لعام 2012 وعودة مجلس الأمة لعام 2009 ليكمل مدته الدستورية في سابقة صدمت الكثيرين في الكويت وخارجها. وتركت أسئلة أكثر من إجابات وخلطت الأوراق، وأصابت الكثيرين بالذهول. وأعادت إلى الواجهة العلاقة المرتبكة والمحتقنة بين السلطتين. ما جرى في الكويت خلال الأسبوع الماضي، فتح المجال أمام الباحثين والإعلاميين والمعلقين للتساؤل: هل جاء دور الكويت للانضمام لموجة "الربيع العربي"؟ حتى أحد الكتاب الأجانب كتب في إحدى الصحف اللندنية أن "الربيع العربي" لن يحصن ولا يكتمل وتصبح الثورات العربية آمنة إلا بوصولها لدول الخليج.. وقد سجلت اعتراضي على هذه الفرضية في تغريدة لي على حسابي في التوتير..مختلفاً مع ذلك الطرح. عجلة التغيير السريعة في المنطقة، توجت بفوز محمد مرسي برئاسة مصر، وهذا الحدث تابعه الآلاف من الكويتيين على "توتير"، وعلقوا عليه، وتفاعلوا معه يوم الأحد الماضي ليُصدموا في اليوم التالي بالتعليق بالكثير من التهكم على حكم المحكمة الدستورية في الكويت ببطلان وبالتالي حل مجلس الأمة المشاكس والذي سيطرت الأغلبية التي كانت معارضة في مجلس 2009 عليه لتصدم ويعلن حوالي 30 نائباً استقالاتهم ورفضهم للعودة كما سماه أحد نواب المعارضة "مجلس الخزي والعار والقبيضة"، وليتعقد المشهد الكويتي بالتالي في ظل أوضاع كويتية وعربية معقدة، خاصة في إقليمنا الخليجي، وسط تصعيد إيراني، حيث قامت طهران بتزويد سفنها بصواريخ، والعودة للتهديد بإغلاق مضيق هرمز، إذا ما نفذ الاتحاد الأوروبي اليوم مقاطعة دوله للنفط الإيراني بسبب مراوغة إيران حول برنامجها النووي. إصدار المحكمة الدستورية الكويتية أعلى محكمة في الكويت، حكماً بعدم دستورية الإجراءات التي رافقت حل مجلس الأمة السابق في ديسمبر الماضي بمرسوم أميري بعد تصعيد ومواجهة بين الحكومة التي استقال رئيس وزرائها السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح بعد استجوابه ووزرائه عدة مرات منذ أن بدأ مجلس الأمة قبل الأخير والذي انتخب في عام 2009 بممارسة دوره الرقابي والتشريعي. حكم المحكمة الدستورية ذلك، قاد إلى بطلان ما ترتب على حل مجلس 2009 من إجراءات. وأبرزها بطلان عضوية جميع أعضاء مجلس الأمة في البرلمان الذي انتخب في فبراير 2012، بعد حل مجلس 2009 في ديسمبر 2011. وبالتالي حل البرلمان الذي بالكاد أكمل 4 أشهر من أصل 4 سنوات من فترته الدستورية. وما زاد المشهد الكويتي تعقيداً هو قرار المحكمة بعودة مجلس 2009 الذي تم حله. هذه التطورات السريعة وغير المسبوقة بأبعادها القانونية والدستورية والسياسية وانعكاسها على الأوضاع الاقتصادية والسياسية، أصابت الكويتيين والمتابعين للشأن الكويتي بالحيرة وعدم القدرة على استيعاب والتعامل مع ما يجري من متغيرات. وزاد من حراجة وغموض المشهد الكويتي أن الأغلبية في مجلس 2012 الذي تم إنهاء فصله التشريعي بحكم محكمة وليس بحل من أمير الكويت، تلك الأغلبية، عادت لتصبح أقلية مثلما كانت في مجلس 2009. وهذه أعادت الكويت للمربع الأول في خطوات مواجهة دائمة وتصعيد متبادل ومحبط من السلطتين التنفيذية والتشريعية. كتبت مراراً في السنوات الماضية في هذه المساحة معلقاً على الحالة الكويتية الصعبة والمحبطة والتي فقدت ذلك النموذج المميز. في فبراير الماضي وخلافاً لما يظنه البعض في الخليج والدول العربية كتبت ما يجري في الكويت "ليس ربيعاً عربياً بل إفرازاً لربيع كويتي دائم." لأن الحراك السياسي في الكويت والمطالبة بالتغيير وحتى المطالبة بإسقاط رئيس الوزراء سبقت "الربيع العربي" بسنوات وستستمر بعده. لكن لا شك أن "الربيع العربي" رفع من سقف المطالب، وزاد من تصميم الشباب وخروجهم للشارع. ولكن يبقى صمام الأمان الذي يجمع عليه جميع الكويتيين هو شرعية الأسرة الحاكمة في الكويت. وهذا ينطبق عل شعوب وحكام الخليج أيضاً الذين لا يطالب أحد حتى من لا يتفقون معهم برحيلهم وهذه نقطة تسجل لصالح الأنظمة والأسر الحاكمة. ولكن المناخ السياسي المأزوم في الكويت وغياب الأغلبية لدى الطرف الحكومي والبرلماني والصراع بين السلطتين وخاصة منذ عام 2006، والتي تسببت بتشكيل واستقالة تسع حكومات وتغيير ثلاثة رؤساء حكومات وانتخاب وحل خمسة مجالس أمة والسادس يجري الإعداد لانتخابه قريباً...يعقد الأوضاع ويطرح مقاربة "الربيع العربي" لغير المتابعين للشأن الكويتي. لا شك أن المواطن الكويتي أصبح مثقلاً بالإحباط بسبب موجات المواجهات المستمرة بين المجلس والحكومة، وهو يرى ضياعاً الفرص وتأخراً للتنمية. المطلوب من العقلاء وصناع القرار في الكويت التداعي لمؤتمر وطني وإدخال تعديلات دستورية وإحداث نقلة جذرية في العمل السياسي الكويتي ينتشل الكويت ولا يسمح ببقاء النظام السياسي في الكويت رهينة للتجاذبات والمماحكات السياسية وللأجندات الشخصية والحزبية الضيقة والمحبطة!