تركيا وإسرائيل، الدولتان صاحبتا أقوى اقتصادين وأقوى جيشين في الشرق الأوسط، ليستا اليوم أقرب إلى إصلاح علاقاتهما الآخذة في التدهور عما كانتا عليه منذ عامين عندما قام الكوماندوز الإسرائيلي باعتراض أسطول سفن "حرية غزة" الذي كان محملاً بالمساعدات لصالح سكان القطاع المحاصر، فقتل ثمانية من النشطاء الأتراك على متن إحدى سفن الأسطول، وهي السفينة "مافي مرمرة". لكن العلاقات بين الدولتين بحاجة إلى إعادة ضبط على نحو عاجل -وهناك بالفعل إمكانية لذلك- لمصلحتيهما كحليفين سابقين، ولمصلحة منطقة تمر بقلاقل واضطرابات. والحقيقة أن عنصر الإلحاح على المصالحة كان مفتقداً لحد كبير حتى الآن، بيد أن الحوادث المتدافعة تبدو وكأنها تتآمر لجعل الحافز على رأب الصدع وتحقيق التقارب أقوى مما كان عليه سابقاً. فتعثر المحادثات المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وتدهور الأوضاع في سوريا، ووصولها لشفير الحرب الأهلية، وحادث إسقاط الطائرة التركية مؤخراً بواسطة الدفاعات السورية، وعدم الاستقرار المتزايد في لبنان، وحالة عدم اليقين السائدة في المنطقة نتيجةً لتداعيات "الربيع العربي"، يدفعنا للقول إنه لم يكن هناك من قبل وقت أنسب من الوقت الحالي لإعادة العلاقة بين إسرائيل وتركيا، لما كانت عليه قبل أن تتدهور بفعل الحادث المذكور ولأسباب أخرى. والمصالحة بين الدولتين سوف تترتب عليها فوائد جمة: حيث يمكن لتركيا أن تعود للعب دور الوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما يمكن بدوره أن يخفف من الشعور بعدم الثقة في تركيا داخل الكونجرس الأميركي. وفي هذا الإطار يمكن للشعبية الكبيرة التي يحظى بها رئيس الوزراء أردوغان، وتحظى بها تركيا ذاتها في الوطن العربي، أن تقي إسرائيلَ الكثيرَ من جوانب عدم اليقين الناتجة عن "الربيع العربي". والعلاقات المتجددة بين الدولتين، ستشكل ضغطاً على إيران يدفعها للسعي لحل سلمي بينها وبين الولايات المتحدة والغرب حول برنامجها النووي. والأهم من ذلك أن تحسن العلاقة سيصب في مصلحة الجهد الرامي لتحقيق إجماع دولي بشأن الوضع في سوريا، وسيعزز مصالح الولايات المتحدة في المنطقة من خلال نبذ الصدام بين اثنين من أهم حلفائها فيها. وهناك فوائد أخرى مهمة أيضاً وهي استعادة التعاون الأمني والاستخباري، وتقاسم المعلومات والمناورات المشتركة، والتنسيق السياسي... وكل ذلك كان قائماً من قبل. إن رأب الصدع بين الدولتين، وإن كان صعباً، إلا أنه ليس مستحيلاً. فكل المطلوب هو وضع حد لمشاعر المرارة وعدم الثقة السائدة بينهما، نتيجةً لعدد من الأحداث والتعقيدات، مثل حادث السفينة، وجهود تركيا الرامية للتقارب مع الدول العربية وإيران على حساب علاقتها مع إسرائيل. وفي حين أن اعتذار إسرائيل عن حادث السفينة الآن قد يبدو متأخراً عن موعده، إلا أن إقدامها على اتخاذ إجراءات للترضية حالياً، قد يفي بواحد من مطالب تركيا الأساسية ويخفف الإحباط الذي شعرت به حيال عدم استجابة إسرائيل لتلك المطالب منذ البداية. لن يجدي الحديث الآن عن تفاصيل ما حدث، ولا على من تقع المسؤولية، لذا فالخيار الأمثل هو أن يشرع الطرفان في تشكيل لجنة مشتركة، ويمكن ترك الباب مفتوحاً لمشاركة أميركية، لبحث الشكل الذي يجب أن يتخذه التعويض الإسرائيلي، وماهية الإجراءات الأخرى -إذا ما افترضنا وجود مثل هذه الإجراءات- التي سيجري اتخاذها لإسدال الستار نهائياً على ذلك الحادث المؤسف. وبعد ذلك يجب العمل على تعزيز الروابط التجارية بين الطرفين، بمعزل عما يدور في الفضاء السياسي، مع التركيز على الفرص التجارية النافعة لهما، وزيادة الاستثمارات في تركيا، ومشاركة القطاع التركي في عمليات الإنشاء والتعمير، وربط العمالة التركية الجيدة التدريب بقطاعي الطاقة الخضراء والطب الحيوي. وفي هذا السياق يمكن تقديم بعض الإشارات الدالة على حسن النوايا، واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين الجانبين. وإذا ما أخذنا الحساسية التركية تجاه قبرص في الحسبان، فسوف يكون من المناسب بالنسبة لإسرائيل إشراك تركيا في عملية اتخاذ القرار الخاص بتطوير حقول الغاز الواقعة قبالة السواحل الإسرائيلية والقريبة من قبرص، وهو ما سيخفف من شكوك تركيا بأن إسرائيل تسعى لتطويقها وشل فعاليتها. وعلى الجانب التركي ينبغي لتركيا التوقف عن عرض مطالب عامة بشأن تداعيات حادث السفينة، والتوقف عن لهجتها الاتهامية القاسية تجاه إسرائيل فيما يتعلق بتطورات ووقائع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والعودة مرة أخرى لدور الوسيط المحايد الذي كانت تلعبه بين الطرفين سابقاً. ويمكن لواشنطن لعب دور فعال في عملية المصالحة ورأب الصدع هذه من خلال المساعدة في العثور على مناطق الاتفاق والقواسم المشتركة، وتشجيع الجانبين على التنسيق فيما بينهما، لاسترداد الثقة والعلاقات العملية، واضعة في اعتبارها أن خدمة المصالح الأميركية تتحقق على أفضل نحو من خلال شرق أوسط مستقر. ولا شك أن تحقيق المصالحة بين أقوى دولتين في الإقليم سوف يساعد على تعزيز فرص تحقيق هذا الهدف. مايكل جيه. كوبلاو باحث في جامعة جورج تاون برينت ئي ساسلي أستاذ مساعد في جامعة تكساس -ارلينجتون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"