الجدل الدائر الآن حول الفترة التي أمضاها رومني على رأس شركة "باين كابيتال"، بدأ يأخذ شكلاً يرشحه للتحول إلى نقطة مركزية للحملة الرئاسية للمرشح "الجمهوري"، وأيضاً لأوباما. وكان من المفترض على حملة "رومني" أن تتوقع حدوث شيء مثل هذا. فإذا كان كل من"نيويت جينجريتش" و"ريك بيري" راغبين في توجيه الانتقاد لرومني، ووصفه بأنه رأسمالي أكثر مما ينبغي في الانتخابات التمهيدية للفوز بترشيح الحزب "الجمهوري" للرئاسة، فإن الأمر لم يكن يتطلب الكثير من الخيال لتوقع أن أوباما و"بايدن" سيكون كل واحد منهما في غاية السعادة للقيام بنفس الشيء في الانتخابات العامة. فضلاً عن ذلك، فإنك- والكلام هنا موجه لرومني- إذا كنت ستخوض حملة بناء على فكرة أنك كنت منتجاً للوظائف في شركة قطاع خاص كنت تتولى رئاستها، فإن قواعد اللعب النزيه ستسمح لخصومك بالمطالبة- على أقل تقدير- بالتحقيق في مدى صحة هذا الادعاء. وليس قصدي القول بأن هجمات أوباما على رومني نزيهة، ودقيقة، ومقنعة لأن هذا شيء يجب أن يترك للناخبين -وحدهم- أن يحددوه بأنفسهم. مع ذلك، أجد نفسي في لحظة اتفاق "نادرة" مع كاتب العمود الليبرالي"إ. جيه. ديون"، الذي كتب يقول إن هذه الحجة قد تفجر نقاشاً مفيداً حول نوع الرأسمالية التي نريدها. وقد استعار "ديون" تعبيراً يستخدمه الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا - ويلقي قبولاً واسعاً في مختلف أنحاء أوروبا- وضمنه مقال له كتبه مؤخراً. هذا التعبير هو ذلك الذي ورد في سياق ذلك المقال ومفاده أن هناك حاجة لبناء"سوق اجتماعي" في مواجهة ما أطلق عليه هو"مضادات السوق الاجتماعي". و"اجتماعي" واحد من المصطلحات التي تنطوي على حمولة ذات وقع طيب على الآذان، ولكن التي تفترض - مع ذلك- دوراً كبيراً للدولة في حياتنا. فعلى سبيل المثال نجد أن حملة أوباما قد ركزت خطابها على أن المرأة- باعتبارها المستفيدة التقليدية من أي حكومة تقدمية- لا بد وأن تعيش في دولة ذات"سوق اجتماعي"، وهو ما كان يعني ضمناً، أن الدولة لا تؤثر فقط على أجرها، ونظام الرعاية الصحية التي تتلقاه، وإنما على مهنتها، وأنشطتها الترفيهية، بل وكذلك على قراراتها المتعلقة بإنجاب الأطفال. وفي الحقيقة أن تطلع "ديون" لأوروبا دال في معناه، وإن لم يكن داعياً للدهشة، باعتبار أن القارة هي موطن دول الرفاه التي تقدم لمواطنيها الرعاية من المهد للحد، وبالتالي فإنها موطن ذلك النوع من الرأسمالية الذي يهفو إليه. والواقع أن الرأسمالية على الطراز الأوروبي تتوافر بها الكثير من الأشياء التي يمكن الإشادة بها، وعلى وجه الخصوص، إذا كان لدى المرء وظيفة حكومية بالذات، لأنه سيكون بمقدور المرء في هذه الحالة أن يعيش حياته كلها دون حاجة قبل أن يحين موعد سداد فاتورة خدمات الرفاه (التي غالباً ما تدفعها الأجيال اللاحقة). والملفت أن سوق الولايات المتحدة- وهو ما لم يكن كله من تصميم وتدبير أوباما- كان يبدو خلال السنوات القليلة الماضية، وكأنه سوق أوروبي لحد كبير. صحيح أنه لم يكن عندنا تلك الجماعات من المهددين بالبطالة، الذي يتسكع كل واحد منها على غير هدى في الشوارع انتظاراً لوفاة موظف حكومي أو تقاعده حتى يحل محله، ولكن من الصحيح أيضاً أننا لسنا بعيدين تماماً عن ذلك. فنحن نلاحظ في الوقت الراهن أن الموظفين في الولايات المتحدة، لا يريدون التخلي عن وظائفهم لأنهم غير واثقين من أنهم سيتمكنون من العثور على بديل عنها. علاوة على ذلك فإن هناك عدد قليل من المؤسسات والشركات العاملة في القطاع الخاص الأميركي هي فقط التي باتت راغبة في خلق وظائف جديدة لأنها غير متأكدة ما إذا كان السوق سيتمكن من إدامة مثل هذه الوظائف، أي استيعابها وإتاحة الفرصة أمامها للنمو والتطور. ويشار إلى أن الاقتصاد الأميركي يستطيع في الظروف العادية- حسب الإحصائيات الرسمية- خلق عشرات ملايين الوظائف كل عام مع القيام في الوقت نفسه بالقضاء على عشرات الملايين غيرها، ولكن الناتج الإجمالي غالباً ما كان يصب في مصلحة خلق وظائف جديدة، أي أن النتيجة النهائية غالباً ما تكون إيجابية. وفي الأحوال العادية النموذجية يقوم ما يقرب من 50 مليون أميركي بتغييروظائفهم دونما صعوبة، استجابة لزيادات في الرواتب أو فرص أفضل للترقية. وهذه الحقائق تكشف عن الأسباب التي كانت تجعل الرأسمالية الأميركية أكثر ديناميكية من مثيلتها في أوروبا. ففي"السوق الاجتماعي"، من المعروف أنك بمجرد حصولك على وظيفة فإنك تتشبث بها لأنك إذا فقدتها فقد لا تجد غيرها. والحكومات الأوروبية كانت تقوم بدورها بجعل عملية التشبث بالوظائف الحالية أكثر يسراً من خلال معاقبة المشاريع والأعمال التي تقيل موظفيها وعمالها. والمنتج الفرعي لهذا النوع من "التعاطف" من جانب الحكومات هو أن تلك المشروعات والأعمال غالباً ما تصبح أكثر تردداً في استقطاب موظفين جدد لأنه يرتب عليها التزامات ومسؤوليات طويلة الأمد. نعم لقد قام "رومني" بالفعل بخلق قيمة وثروة من خلال توفير وظائف جديدة عندما يتولى قيادة"باين كابيتال"، ولكنه في المقابل قام بالقضاء على وظائف كانت قائمة. والعمليتان تمثلان أمراً طبيعياً في سوق ديناميكي مثل السوق الأميركي كان لديه القدرة على تحسين آمال وتوقعات الغالبية العظمى من مواطنيه من خلال النمو الاقتصادي. وعلى الرغم من أنه من الطبيعي أن يعاني البعض من تلك العملية إلا أنني استطيع أن أؤكد أن هناك أعداداً أكبر بكثير ستعاني في نظام "السوق الاجتماعي". ومن هنا يمكن القول إن الإجابة على السؤال الذي يقول:" أي من النظامين جدير بالتطبيق؟ لا يمكن أن تُقدم إلا من خلال نقاش موسع- طال انتظاره. جونا جولدبرج محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي. تي إنترناشيونال"