أفق الدولة السورية يبدو معتماً وغامضاً أكثر بمرور الوقت، لا أحد يستطيع أن يجزم بما إذا كان الرأي العام العالمي ستكون لديه مقدرة على تحمل المزيد من الصور البشعة القادمة من هناك أم لا. ويبدو أن النظام السوري مختلف فعلاً عن غيره من الأنظمة الأخرى التي تعاملت مع شعوبها بعنف. لكن عندما تصل الأوضاع المأساوية إلى مرحلة المذابح الجماعية، فإن النظام يحرج المجتمع الدولي معه ويجبره على خطوات "غير سياسية". مؤشر الأزمة السورية منذ البداية وهي تشتد كل وقت، ومع انتظار التهدئة، يُفاجأ العالم بأنها تزداد قسوة، الأمر الذي يبرز قدراً كبيراً من الخوف على مستقبل المنطقة بأكملها. ومن كان يتصور أن يصل حجم العنف من نظام ضد شعبه إلى تلك الطريقة التي نقلتها لنا وسائل الإعلام التي هزت ضمير العالم، وأن يقوم بقتل 13 ألف مواطن سوري منذ بداية الاحتجاجات، ما أدى إلى أن ينشر الفزع والخوف على مستقبل سوريا والسوريين مع احتمال امتداد تلك المأساة إلى الجوار الجغرافي! ومن كان يتصور أن النظام الذي وقف يوماً يندد بعمليات القتل التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين يقوم هو نفسه بمثلها في سوريا وبمعونة من قوات الحرس الثوري الإيراني؟ لا يمكن لأحد أن يتخيل أن الذي حدث قبل أيام وقع في دولة وقفت يوماً إلى جانب شعب عانى القتل وادعت أنها تسانده من أجل "تقرير مصيره". يُفهم من سلوك النظام السوري أن التفكير في حل سياسي ومحاولة إقناعه بترك "الكرسي" أمر غير قابل للتطبيق، حتى لو تطلب الأمر إبادة كل السوريين بمن فيهم الأطفال "مستقبل سوريا"، وأن كل الجهود المبذولة من قبل المجتمع الدولي غير مجدية، وبالتالي ليس أمام العالم سوى الضغط على الشعب، أو أن ينسحب من الساحة السورية لكي يستطيع النظام القضاء عليهم. ويقتصر بالتالي حل المشكلة على الأسلوب الأمني والقمعي، الأسلوب الوحيد الذي يجيده النظام -الفاقد أصلاً للشعبية- للتخلص ممن يعارضه أياً كان. كان ظن المجتمع الدولي أن المحاولات السلمية والعقلانية والتحدث بالمنطق يمكنها إنهاء الأزمة، حتى ولو بتسوية سياسية تحفظ للنظام ماء الوجه أو حتى توجد مخرجاً سياسياً مثل "السيناريو اليمني"! بعد سنة ونصف السنة من الاحتجاجات اكتشف المراقبون أن النظام السوري يعمل على إغلاق كل "المنافذ السياسية" والمحاولات الدولية للخروج السلمي، بل ويعمل على توسعة الأزمة لتطال أبعد من سوريا. من حق دولة الإمارات أن تبدي استياءها واستغرابها من مذبحة "الحولة" التي راح ضحيتها مائة وستة أشخاص، منهم نحو 60 طفلاً، وأن يعتبر وزير الخارجية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن مثل هذه "المجزرة" تمثل رمزاً مأساوياً لفشل الجهود الأممية لإيقاف العنف المنظم تجاه المدنيين، بل من حق دول مجلس التعاون الخليجي. ومعها المجتمع العربي والعالمي، أن تتساءل: ما الذي يمكن أن يقدمه مثل هذا النظام مستقبلاً من حلول سلمية بعد هذه المجزرة؟ وحتى لو أدانها النظام فإنه يدين نفسه أصلاً! هذه ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة، رغم أن العالم منحه أكثر من فرصة مما يتطلب موقفاً حازماً لضبط النظام قبل أن يغرق المنطقة في عنف. ومن المفارقات أن تتم هذه المجزرة في ظل وجود مراقبين دوليين جاءوا من أجل إيقاف عمليات التقتيل وتطبيق هدنة من أجل إصلاح البيت السوري من الداخل دون التدخل الدولي والتوصل إلى حل سياسي ينهي الأزمة وينهض بالدولة السورية. لكن الغريب أن النظام لا يريد أن يلتزم بها، وسلوكياته تؤكد ذلك. التجربة أثبتت أن النظام السوري لم يفهم التغيرات الحاصلة في المنطقة، أو أنه يتقصد الخروج بالأزمة من الداخل إلى الخارج إما عن طريق إحراج الدول التي تحاول النأي بنفسها عن الأزمة، أو بتصدير الأزمة لتشمل كل دول المنطقة واتّباع سياسة الأرض المحروقة مادام متيقناً من أن الاحتجاجات مستمرة والشعب لا يرغب فيه، والدليل أنه حتى اليوم لم يحقق أي خطوة إيجابية ملموسة في الداخل. وخارجياً، لم يحاول التفاعل مع الجهود الدولية. لم يعد للنظام السوري اليوم دور في الوضع الداخلي سوى الاستمرار في سياسة العنف. أما في الخارج فقد أعلنت كل الدول استياءها منه، وبالتالي فالكل متفق على أهمية ضبط انفلاته المخيف. والاصطفاف معه تأكيد على قبول ما يفعله، بغض النظر إن كان من يقوم بتلك الجرائم إرهابيون أو "شبيحة" النظام. والحاصل أن الأزمة السورية تفاقمت إلى الحد الذي أدى إلى إحراج كل الدول أمام الرأي العام العالمي، ما جعل بعض المراقبين والسياسيين يحمّلون الدول المحايدة قسطاً من المسؤولية الأخلاقية. السكوت على الوضع السوري يمكن أن يؤدي إلى أن تكون دول عربية أخرى من المتضررين؛ لأن الأمر أقرب إلى التواطؤ مع النظام، وهذا يعمل على تدمير البلد، كما أن لبنان المتأثر بسياسات النظام السوري يغلي ويوشك على الانفجار بعدما حصلت محاولات لتصدير الأزمة إليه. عملياً، الوضع السوري يشكل عنصر تفجير قوي في الوقت الراهن. وبنظرة أبعد، فإن الملف السوري أضعف التحرك العربي عموماً والخليجي بشكل خاص، الذي يعتبر الآن القوة العربية الفاعلة، بعد أن تراجع الدور المصري وبالتالي غاب الدور العربي في الملفات الدولية والإقليمية، وترتب عليه اعتماد الدول الكبرى على دول إقليمية غير عربية في مناقشة الملفات العربية. العالم أدرك أن ترك سلوك النظام السوري المتطرف ضد شعبه من شأنه حصول مفاجآت كثيرة قد تؤدي إلى مضاعفات إقليمية. وبالتالي، فإن تحرك المجتمع الدولي يؤكد أن رسالة الأسد بأن "العالم عاجز عن إيقافه" قد وصلت.