البعض في الخليج يريد شيئاً من النظام السوري، وبعض العرب له وجهة نظر في المسألة السورية، وبعض الأوروبيين يريد أشياء من النظام السوري، وبعض الأميركيين يريد تحقق أمور وتوافر شروط قبل اتخاذ قرار بشأن سوريا، وبعض الدول الإقليمية لها مصالح في سوريا... وفي المقابل كل الشعب السوري يدفع الثمن ويموت يومياً بالعشرات! بعد كل المحاولات العربية والغربية لتقديم الحلول الدبلوماسية والعمل السياسي مع نظام الأسد وصل الجميع إلى النتيجة العبثية الصفرية... فلا شيء تحقق غير مزيد من القتل، وتمادى النظام في قمعه للمتظاهرين بل وأصبح يقتل المدنيين في بيوتهم ولا يتردد في قتلهم أمام أعين المراقبين الدوليين الذين أصبح وجودهم في سوريا عاراً على الأمم المتحدة وعلى المجتمع الدولي بأسره، وأصبح من الأفضل لهم العودة من حيث أتوا ما داموا عاجزين كل هذا العجز في الحد من وقوع تلك المجازر على الأقل! كنا نتوقع من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون -حفاظاً على ماء وجه منظمته وما لها من بقايا هيبة- بدل أن يعيد إرسال كوفي عنان إلى دمشق ليعلن عن "صدمته" لما حدث في الحولة وأن يجلس مع وليد المعلم ويسأله عما جرى ومن الذي ارتكب تلك الجريمة، كنا نتوقع بعد أن رأى مجزرة الحولة أن يسحب مراقبيه ويبحث عن حل فعلي لحماية الأطفال والمدنيين في سوريا. فعار على المجتمع الدولي أن يرى كل ذلك القتل ويبقى صامتاً. مجزرة الحولة التي وقعت الأسبوع الماضي في حمص بدت قاسية ومؤلمة ومرعبة وبحسب مسؤولين في الأمم المتحدة فإن 108 أشخاص على الأقل قتلوا في الحولة بينهم 49 طفلاً، إضافة إلى سقوط حوالي 300 جريح...? ?أطفال ونساء ومدنيون عزل ماتوا بالعشرات في قصف مدفعي تحت نظر المراقبين الدوليين والعالم يتفرج، وشر البلية في هذه المجزرة -كما في سابقاتها- أن يخرج المتحدث الرسمي باسم النظام السوري ليشارك في إدانة المجزرة! في حين أنه كان يجب أن يحمي المدنيين ويحفظ أرواحهم وأن يقبض على الجناة ويحاكمهم. النظام السوري يحاول ومنذ أشهر طويلة إقناع العالم بأن كل ما يجري من قتل على الأرض السورية لا يتم على يد جنوده وإنما هم مجموعة من الإرهابيين والمجرمين والقتلة، كما أنه لا يتوقف عن محاولة إقناع العالم بأن من يُقتلون على يد النظام إنما هم مجموعات من الخارجين عن القانون والإرهابيين، كما يحاول أن يظهر للعالم أن الشعب كله بخير، يذهب إلى أعماله في الصباح ويسهر ويرقص بالليل، وأن كل صور القتل والمظاهرات والاحتجاجات إنما هي فبركات إعلامية… بطبيعة الحال لا أحد يصدق ذلك إلا النظام السوري نفسه. الموقف الروسي من إرادة الشعب السوري غريب وغير مفهوم بالنسبة للكثيرين، فبغض النظر عن كل الحسابات السياسية والمصالح الاستراتيجية والمساومات الدبلوماسية، من غير المقبول استمرار دفاع روسيا عن النظام السوري، ووضع الجاني والضحية في كفتي ميزان متساويتين. فعندما يقتل العشرات من الأطفال والنساء والمدنيين في الحولة، تطالب روسيا كلا من النظام والشعب بالكف عن القتل وتحمل الشعب مسؤولية ما حدث! فقد اتهمت روسيا "الطرفين"، النظام السوري والمعارضة، بالضلوع في مجزرة الحولة. وروسيا التي لا تكف عن الادعاء بأنها لا تدعم نظام الأسد لا يبدو أنها تدعم إرادة الشعب السوري كما لا تدعم بالشكل الكافي خطة عنان، وفي المقابل لا تقدم حلولاً عملية لإنهاء الأزمة غير إصرارها على بقاء الأسد ونظامه، واستخدامها حق الفيتو ضد أي قرار أممي يحاول المس بنظام الأسد! منذ أشهر كانت هناك توقعات بأن يتوصل النظام السوري إلى حل يحقن دماء السوريين ويتوصل إلى اتفاق مع الجهد الدولي المبذول لقلب الصفحة الدامية التي يعيشها الشعب.. لكن إلى اليوم يرى العالم أن شيئاً لم يتغير وأن الوضع السوري لا يزال متأزماً ونظام دمشق غير قادر على حماية مواطنيه، ففي الوقت الذي يصر على أنه يحارب إرهابيين ومجرمين، يفشل في القبض على أولئك الإرهابيين وعرضهم على القضاء، وفي نفس الوقت تحمله جهات عديدة مسؤولية تلك الأعمال الإجرامية ضد الشعب الثائر دون أن يتمكن أن يدافع عن نفسه بشكل مقنع. ورغم ذلك يجد النظام من يدافع عنه ويستخدم الفيتو من أجل أن يواصل تصفيته لمعارضيه! الجميع يحذر من فشل خطة عنان لأن فشلها قد يؤدي إلى حرب أهلية. والسؤال هو: ما يحدث اليوم في سوريا ماذا يمكن أن يطلق عليه، عندما يموت تقريباً 30 مواطناً سورياً يومياً أمام أعين مراقبين دوليين... ماذا يمكن أن نسمي ذلك؟ لا يمكن تصنيف الوضع في سوريا غير أنه "حالة حرب"، فكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة استخدمها النظام ضد المدنيين وضد المعارضين الذين اضطر بعضهم لحمل السلاح من أجل الدفاع عن أنفسهم. لكن هذه الحرب في حقيقة الأمر غير متكافئة فأسلحة المعارضة مقابل أسلحة النظام لا تكاد تذكر، وتأخر تسليح المعارضة جعل أعداد القتلى والجرحى يكبر يوماً بعد آخر. وإن كان البعض يرى أن دعوة "المجلس الوطني السوري" الذي يضم غالبية أطياف المعارضة يوم الاثنين "كل أصدقاء وأشقاء الشعب السوري" لتزويده حالاً "بوسائل مجدية للدفاع عن النفس"، تبدو متأخرة جداً، إلا أنها تبقى أحد الحلول التي تتفق عليها كثير من الأطراف العربية والدولية... خصوصاً بعد فشل خطة الموفد الدولي الخاص كوفي عنان في حماية السوريين.