برز الجدل حول العلمانية في المملكة المتحدة مؤخراً إلى المقدمة وبشكل متزايد، خاصة بعد قضية المرأة المسيحية ناديا عويضة التي غطّاها الإعلام بشكل واسع، والتي طُلِب منها تغطية الصليب الذي كانت ترتديه أثناء عملها في الخطوط الجوية البريطانية. دافع عمدة لندن المنتخب حديثاً بوريس جونسون عن حق عويضة بارتداء الصليب، مشيراً إلى أمثلة أخرى من التعبير الديني في المجال العام. لكن قصتها أدت إلى حوار ساخن بين هؤلاء الذين يشعرون أن من حقهم ارتداء رموز دياناتهم علناً وهؤلاء الذين ينادون بفصل صارم بين الدين والمجال العام. وعلى سبيل المثال، يَفترِض بعض البريطانيين أن المسلمين في المملكة المتحدة يسعون إلى دور أكبر للدين في المجال العام. لكن في مضمون الحوار الحالي حول العلمانية، من المجدي التأكيد على أن العديد من المسلمين لا يرون أي تضارب بين القيم الدينية وإطار الإجراءات والمؤسسات العلمانية في المملكة المتحدة. توصف بريطانيا أحياناً بأنها مجتمع يلتزم "بالعلمانية الإجرائية"، أي أنها تمكّن جميع الأصوات من الوصول إلى المجال العام. في "وضع مضمون للإسلام"، وهو مشروع بحث ريادي أجرته جامعة كامبريدج، طُلِب من بعض المسلمين المشاركين الإجابة على السؤال: "ماذا يعني لك أن تعيش بصدق كمسلم في بريطانيا اليوم؟"، فأكّدت غالبية ساحقة من المشاركين دعمها لهذا النموذج، ولاحظوا أن العلمانية الإجرائية توفر العديد من الفوائد للمسلمين البريطانيين، بما فيها الحرية الدينية. باستطاعتنا كمسلمين بريطانيين ممارسة إيماننا في جو من الاحترام والأمن، مع حق اللجوء لأحكام راسخة ضد التفرقة إذا لم يكن ذلك هو الحال. وينظر كثيرون للجدل حول التعبير الديني على أنه جدل بين من يدعمون الوضع الراهن للعلمانية الإجرائية و"العلمانيين الأيديولوجيين" الذين يرفضون العلمانية الإجرائية ويقولون إن الأصوات الدينية يجب أن تستثنى أو يسيطَر عليها بدقة متناهية. ويستشهد مشجعو العلمانية الأيديولوجية بالدور السلبي الذي يمكن للدين لعبه حين يتعلق الأمر بقضايا حقوق المرأة، وذلك كأسس لرفضهم السماح للدين بدخول المجال العام. وعندما يتكلم الناشطون الدينيون المحافظون بشدة ضد حقوق المرأة، فإن ذلك يؤدي إلى المزيد من سوء الفهم. لكن أعمالاً متطرفة كهذه لها علاقة أوثق مع الثقافة مما لها مع الدين. فمثلاً، الزواج القسري هو ممارسة ثقافية سلبية. ورغم إلصاقها أحياناً بالإسلام، فإنها تتعارض كلياً مع التاريخ الإسلامي. وترى الأبحاث أن الغالبية الكاسحة من المسلمين البريطانيين يشعرون بارتياح في دولة علمانية إجرائية. ويذكر تقرير "إيجاد مضمون الإسلام في بريطانيا" أن المجموعات الوحيدة التي تطرح حواراً عكس ذلك هي المجموعات الهامشية (المسلمة وغير المسلمة) التي ليست لها مصالح تذكر في تشجيع مجتمع متماسك تعددي. ويملك المسلمون في دولة علمانية إجرائية مثل بريطانيا حقوقاً ومسؤوليات تتماشى مع التعاليم الإسلامية. وبعيداً عن الدعوة للانسحاب من المجتمع، تَعتبر التعاليمُ الإسلاميةُ المشاركة المجتمعية على أنها مرغوب بها إلى حدّ كبير للمواطنين المسلمين. إن تفهّم أن كون الإنسان مسلماً متديناً في بريطانيا اليوم يعني كذلك أن يعيش حياة كاملة كمواطن، مع كافة الحقوق والمسؤوليات التي ينطوي عليها ذلك، يشكل خطوة حاسمة باتجاه أن نصبح مواطنين منخرطين جيداً في بريطانيا اليوم. تهمينا كازي مديرة منظمة "المسلمون البريطانيون من أجل ديمقراطية علمانية" ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية