هنأ قادة الاتحاد الأوروبي "توميسلاف نيكوليتش" على فوزه في انتخابات الرئاسة الصربية، معربين في بيان أصدروه يوم الاثنين الماضي، عن الأمل في نجاح "نيكوليتش" في التصدي للتحديات التي تواجه صربيا وفي تلبية تطلعات شعبها، قائلين إن الشعب الصربي أعطى إشارة واضحة بدعمه للتوجه الأوروبي في سياسة الحكومة، وأن القيادة الصربية الجديدة تلقت تفويضاً قوياً للمضي قدماً في تلك السياسة. وكان الناخبون الصرب قد اقترعوا يوم الأحد، 20 مايو الجاري، في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، والتي تمحورت حول تسريع الانضمام للاتحاد الأوروبي، فيما كانت التقديرات ترجح فوز الرئيس المنتهية ولايته بوريس تاديتش، المدعوم أوروبياً وأميركياً، والذي قاد صربيا من عزلتها في التسعينيات إلى عتبة الاتحاد الأوروبي بحصولها في مارس الماضي على وضع المرشح لعضوية الاتحاد. لكن تاديتش هزم على يدي نيكوليتش الذي تحالف قبل الدورة الثانية مع حزب مناهض للاتحاد الأوروبي، وراهن على غضب الناخبين إزاء الوضع الاقتصادي المتردي، وتعهد بدعم طلب صربيا الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما وعد باستثمار مليارات الدولارات، وبزيادة الضرائب على الأثرياء، وإعادة توزيع العائدات على الفقراء والمعوزين، وقال إنه سيضع مكافحة الفساد والجريمة والفساد على رأس أولوياته، وسيعيد إنهاض الاقتصاد عبر بناء "قناة تربط نهر الدانوب ببحر إيجه". وتوميسلاف نيكوليتش سياسي صربي وزعيم "الحزب التقدمي الصربي". وقد سبق أن شغل عدة مناصب تنفيذية سامية، ونافس على كرسي الرئاسة أربع مرات، واستطاع أخيراً الوصول إليه الأسبوع الماضي. ولد نيكوليتش في كركوجيفاتش عام 1952 لأسرة فقيرة، وتلقى تكويناً تقنياً في الهندسة، وعمل عام 1971 في شركة زغرب للإنشاءات، حيث ساهم في إنشاء عدة خطوط للسكك الحديدية، قبل أن ينضم عام 1978 لشركة "22 ديسامبر" حيث أمضى 12 سنة مديراً للصيانة فيها، ثم أصبح المدير الفني لشركة "كركوجيفاتش". ولا يعرف نشاط سياسي لنيكوليتش قبل عام 1990 حين أصبح عضواً في "حزب الشعب الراديكالي" الذي اندمج في العام التالي مع حركة "تشتنيك" الصربية في كيان واحد حمل اسم "الحزب الراديكالي الصربي"، والذي سرعان ما أصبح نيكوليتش نائب رئيسه. وظل نيكوليتش نائباً في الجمعية الوطنية منذ عام 1990، وهو النائب الوحيد الذي حافظ على مقعده في البرلمان الصربي طيلة هذه الفترة. وفي مارس 1998 تحالف "حزب الشعب الراديكالي" مع "الحزب الاشتراكي" الحاكم بقيادة ميلوسوفيتش، فأصبح نيكوليتش نائباً لرئيس الحكومة الصربية، ثم أصبح في العام التالي نائب رئيس الحكومة الفيدرالية لجمهورية يوغسلافيا الاتحادية. لقد حقق نيكوليتش صعوداً حزبياً سريعاً، ونجح في الاحتفاظ بالكرسي البرلماني طيلة 21 عاماً، وتقلد مناصب تنفيذية رفيعة... لكن رحلته نحو الرئاسة أوشكت أن تأخذ طابعاً سيزيفياً ملوناً بالفشل، وذلك لإخفاقاته المتتالية في سباق الانتخابات الرئاسية. وكانت البداية في عام 2000 حين حلّ ثالثاً بعد كل من كوشتنيكا وميلوسوفيتش. ثم أعاد الكرّة في عام 2003 حيث حصل على أعلى الأصوات في الجولة الأولى (46،23 في المئة) متقدماً على ميكونوفيتش، لكن تم إبطال النتائج بسبب تدني نسبة المشاركة (38.8 في المئة فقط). وفي انتخابات العام التالي كان متقدماً بـ30 في المئة على تاديتش (27.3 في المئة)، لكن الأخير فاز في الجولة الثانية. كما جاء متقدماً في انتخابات الرئاسة لعام 2008 بحوالي 40 في المئة من الأصوات، إلا أنه خسر في شوط الإعادة لصالح تاديتش. وفي انتخابات الرئاسة لعام 2012، حصل نيكوليتش في الجولة الأولى، يوم السادس من مايو، على 25 في المئة من الأصوات، ليواجه تاديتش في الإعادة يوم 20 مايو وليفوز عليه بنسبة 53 في المئة. وقد تمحورت الانتخابات الأخيرة حول مواقف القوى السياسية من مسألة ضم صربيا للاتحاد الأوروبي، وأثار خصوم نيكوليتش شبهات كثيرة حول موقفه من هذه المسألة، مُذكِّرين بتحالفه مع ميلوسوفيتش وحزبه، وبالاتهامات المثارة ضده عام 2005 حول المشاركة في عمليات قتل بحق سكان قرية "آنتين" الكرواتية. كما أعادوا نشر دعواته في التسعينيات لإقامة صربيا الكبرى، بل وقوله في عام 2004 إن صربيا الكبرى ستظل حلماً للشعب الصربي، وإنه لن يقيم علاقات دبلوماسية مع كرواتيا لأنها قامت على "احتلال الأراضي الصربية". لكن نيكوليتش يرد بالقول إنه تعرض للسجن ثلاثة أشهر في عهد ميلوسوفيتش، وبأن ناشطة حقوق الإنسان الصربية "ناتاشا كانديتش" التي اتهمته في موضوع "آنتين"، تراجعت واعتذرت عن "التشهير" به. كما أنه السياسي الوحيد الذي "ضحى" في سبيل دخول صربيا إلى النادي الأوروبي. ففي عام 2008 قاد حزبه في الانتخابات التشريعية ليصبح أكبر حزب داخل الجمعية الوطنية، وبعد ستة أيام فقط على انتخابه رئيساً للجمعية، تخلى عن منصبه الجديد وعن رئاسة الحزب، لإصراره على دعم سياسة الانفتاح على الاتحاد الأوروبي التي عارضتها أغلبية الأعضاء داخل المكتب السياسي للحزب، مما اضطر نيكوليتش للاستقالة من "الحزب الراديكالي الصربي" ولتأسيس "الحزب التقدمي الصربي" الذي عقد مؤتمره التأسيسي في 21 أكتوبر 2008. ولأنه الحزب الأكبر في البرلمان الصربي حالياً، ينتظر أن يكلفه نيكوليتش بتشكيل الحكومة خلال الأيام القادمة، مما سيدفع بالحزبين "الديمقراطي" و"الاشتراكي" اللذين تحالفا في الحكم طيلة أربع سنوات الماضية، إلى موقع المعارضة. لكن نيكلويتش، بمجيئه في الوقت الحالي تحديداً، ورغم الوعود والتطمينات التي وزعها داخلياً وخارجياً، يكون قد ورث وضعية اقتصادية صعبة للغاية، حيث تصل نسبة البطالة إلى 24 في المائة، والنمو الاقتصادي يتراجع إلى جوار الصفر... وأحد أوجه الأزمة يتجلى في وجود 700 ألف صربي (من أصل 7.3 مليون نسمة) يعانون البطالة. هذا فيما لم تعد عضوية الاتحاد الأوروبي تمثل حلاً يمكن التعويل عليه... بل لعل الأزمة الاقتصادية التي تضرب منطقة اليورو حالياً، هي مما جعل قادة الاتحاد "يرحبون" بمن يعارض شروط الطريق الأوروبي لصربيا! محمد ولد المنى