استعاد "سوق أبوظبي للأوراق الماليّة" نسبة كبيرة من ثقة المستثمرين المواطنين والعرب والأجانب خلال الشهور الماضية، وهو ما ساعد المؤشر العام للسّوق على التحرك إلى أعلى على منحنى الأداء، ليحقّق المزيد من المكاسب من فترة إلى أخرى، فزاد إقبال المستثمرين على السوق مرة أخرى، ما انعكس بالطّبع على متوسطات حجم التداولات وقيمتها، التي زادت بدورها بشكل ملحوظ خلال الفترة المنقضية من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وكانت النتيجة أن تمكّن السوق من تحقيق مكاسب جعلته يحتل المرتبة الأولى بين أسواق المال في منطقة الخليج العربيّة كأكثر الأسواق جاذبية للاستثمار خلال الربع الأول من العام الجاري. ويأتي الأداء الذي تشهده "سوق أبوظبي للأوراق الماليّة" نتيجة امتزاج عدد من العوامل والمعطيات الاقتصادية، التي وفرت لها المناخ الملائم لاستعادة بعض من بريقها، الذي خفت بعض الشيء بسبب "الأزمة الماليّة العالميّة"، تماماً كما حدث وما زال يحدث في العديد من أسواق المال حول العالم، وتنقسم تلك العوامل والمعطيات إلى مجموعتين رئيسيّتين، إحداهما تتعلق بالظروف والمعطيات الاقتصادية على المستوى المحليّ، حيث تمتعت الإمارة طوال الفترات الماضية حتى في أحلك مراحل "الأزمة الماليّة العالميّة" بوضع مالي مستقر وجدارة ائتمانية مرتفعة، وقد حرصت حكومة الإمارة على تبنّي سياسة مالية وصفتها بعض المؤسسات المالية الدوليّة بأنها واحدة من أفضل السياسات المالية على مستوى العالم، وقد وفّرت هذه السياسة حالة من الثقة العالية بالأوضاع المالية وبالأداء الاقتصاديّ العام بالنسبة إلى الإمارة، وظلت أبوظبي طوال الفترات الماضية واحدة من النقاط المضيئة على خريطة الاقتصاد العالمي، برغم الظروف الاقتصاديّة العالميّة. وتتمثل العوامل الخارجيّة في حالة عدم الثقة التامة بالأوضاع المالية في عدد من الاقتصادات الكبرى في العالم، كما هو الحال في "منطقة اليورو" التي تواجه حالة مزمنة من التأزّم المالي، نتيجة لتضخم حجم المديونية الحكومية، وبلوغها مستويات قياسيّة تجاوزت نحو 90 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنطقة مجتمعة، وقد تعرّض عدد من الدول لتهديد الإفلاس كاليونان، واقترب لهيب الأزمة كثيراً من بعض الاقتصادات الكبرى داخل المنطقة، كما حدث في حالة إيطاليا، ونتيجة لهذه التطوّرات فقد أقدمت مؤسسات التصنيف الائتماني على تخفيض تصنيفها الممنوح للديون الحكوميّة في عدد من دول المنطقة، وكذلك تصنيفها للقطاعات المصرفية والمؤسسات المالية فيها، الأمر الذي أشاع حالة من الإعراض الجماعيّ من قبل المستثمرين عن الاستثمار والتعامل في الأسواق المالية الأوروبية، واتسعت هذه الآثار السلبيّة لتصيب الأسواق المالية العالمية كلّها، نتيجة شيوع حالة من عدم الطمأنينة بشأن الأوضاع المالية العالمية كلّها. كان اجتماع العوامل الاقتصادية والمالية المستقرّة على المستوى المحلي لإمارة أبوظبي مع الأوضاع الماليّة غير المواتية على المستوى الأوروبيّ والعالميّ سبباً في وضع "سوق الأوراق المالية في أبوظبي" في موضع متميّز بين منافسيه، سواء على المستوى الإقليمي أو المستوى العالمي، والمرجّح أن يستمر هذا الوضع المميز لفترة ليست بالقصيرة في المستقبل، ليزداد وضع "سوق أبوظبي" تميزاً، ويجتذب لنفسه حصة مناسبة من تدفّقات الاستثمارات المالية الآتية إلى منطقة الخليج العربية بوجه عام. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.