كان قتل محمد الدرة برصاص إسرائيلي صدمة إنسانية بكل المقاييس، وكاد قصف المدارس في غزة حالة من اللاإنسانية جعلت من إسرائيل دولة الإرهاب بلا منازع. ولكن أن يُنحر الأطفال بدم بارد وبسكين لم تشحذ إلا لذبح الأضاحي، هذا ما لا يصدقه عقل، وعندما كانت المذابح ترتكب في البوسنة، كان هناك شعار التطهير العرقي الذي نفذته عصابة من القتلة وسفاكي الدماء. لكن في سوريا، كيف لهؤلاء الشبيحة السير في أذناب نظام زائل كتب على نفسه الفناء والمصير المخزي المؤكد الذي وعد الله به كل من تجبر وعلا في الأرض علواً كبيراً؟ وكيف أصبح لهؤلاء رغبة في الذبح وليس القصف أو الرصاص كحل أسهل ربما من نحر رقاب أطفال حجمها أصغر من السكين ذاتها؟ تكاد صور المذبوحين في سوريا لا تبارح خيالاتنا، كأننا شهود زور على مأساة إنسانية بكل المقاييس. وبمعنى آخر، فإن المجتمع الدولي لا يزال يركض خلف الطرق الدبلوماسية، ونخشى أن يكون هناك من لا يمكن أن يعود، وفعلاً لاعودة عن التظاهر وعن الحل العسكري، بعد أن سقطت كل الخيارات إلى مهاوي الموت. والعجب أن هذا النظام المستبد لا يزال مُصراً على استمرارية مخيفة، فقد كان أفشل الأنظمة العربية بلا منازع، ولولا أنه ينتمي لبلاد تتميز بشعب عامل دؤوب لسقط سهواً من أجندة التاريخ. لم يضف هذا النظام طوال التاريخ الأسود سوى مزيد من السجون والمعتقلات ومزيد من الفقر والحاجة، ولم يسع إلى بناء دولة حديثة ذات بنية تحتية تخدم فيه تاريخها، وقدراتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي. بل إن هذا النظام تحالف مع قوى شيوعية أفلست، وقوى إقليمية ترزح تحت وطأة تاريخ مفعم بقمع شعبها، وتحالفت مع قوى أقل ما يمكن وصفها بالمخادعة، فلا هو توجه للمستقبل، وحاصر الفساد الذي أصاب أوصال البلاد بسرطان مزمن، ولا هو قدم نفسه كنظام صامد وممانع حقيقي في المواجهة ضد إسرائيل التي كانت تتباهى بكونها ضده علناً، وهو على طول خط سنوات حكم الأسد كان لصالح إسرائيل وليس العكس. ولم يكتف بالإفلاس الفكري والاستراتيجي، بل تحول إلى مرتع اغتيالات ودائماً ما كانت أصابع الاتهام تشير إلى هذا النظام بتدبير مؤامرات لا نهائية في الخفاء. الضحايا الذين يسقطون كل يوم، ليس لهم إلا الله نعم الناصر، وإلا فإن كل العالم خذلهم بامتياز. لكن نهاية الطغاة معروفة سلفاً كما قال التاريخ ويقول دوماً. وباتت النهاية قريبة، وننتظر هول المفاجأه بخاتمة، كي تكون حكاية نقصها لصغارنا حين يجعل الله العبرة في الجبارين.