تجاذبات أجندة الخروج من أفغانستان... وتحديات احتواء محنة اليونان تسريع أجندة الانسحاب من أفغانستان، وافتراق المقاربتين الفرنسية والألمانية تجاه أزمة اليونان، وأفق ما بعد الانتخابات الرئاسية المصرية،... موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أفغانستان: نهاية المهمة ما زال كتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية الكبرى يتفاعلون مع قرار الرئيس الفرنسي الجديد فرانسوا هولاند تسريع عملية انسحاب قوات بلاده من أفغانستان -التي زارها أول من أمس الجمعة- ليكتمل الخروج من هناك في نهاية العام الجاري، وفي هذا السياق نشرت صحيفة لوموند افتتاحية استعرضت فيها خلفيات التجاذب الأطلسي الراهن حول قرار تسريع الانسحاب من طرف واحد، وضرورة الالتزام بالأجندة الأطلسية المتفق عليها والقاضية بإنهاء الالتزام هناك مع نهاية عام 2014. واعتبرت الصحيفة أن الدرس الممكن استخلاصه مما تكشفت عنه قمة الأطلسي الأخيرة التي جرت أعمالها في يومي الأحد والاثنين الماضيين بمدينة شيكاغو الأميركية هو أن جميع الغربيين يريدون الخروج من أفغانستان في أسرع وقت ممكن، على رغم استمرار حاجة الأفغان إلى مساعدة المجتمع الدولي لتهيئة الظروف الملائمة لإعادة الاستقرار والإعمار في بلادهم. والحال أن الحصيلة هناك تبدو الآن، بعد مرور عشر سنوات على التدخل الأطلسي، محدودة إن لم تكن سلبية: فثمة مناطق من أفغانستان ما زالت في حاجة إلى الدعم للسيطرة على التمرد، وحركة "طالبان" لم يتم القضاء عليها بشكل حاسم، والحكومة المركزية بقيادة الرئيس كرزاي ما زالت هي أيضاً تواجه مشكلات داخلية كثيرة، وتمرعلاقاتها مع الحلفاء الغربيين بحالات شد وجذب متواترة. ومع أن أوباما تعهد في بداية ولايته الرئاسية بحسم المعركة في أفغانستان التي تمثل فيها القوات الأميركية العمود الفقري للحضور الأطلسي، إلا أنه قرر فيما بعد تغيير رأيه، وتقليص سقف أهدافه من وراء الالتزام بالمهمة الأفغانية. فقد استجاب ضمناً لدعوات بعض قادته العسكريين الميدانيين باتخاذ قرار الانسحاب في النهاية. ولذا فسيتم استكمال الانسحاب الأميركي، الذي بدأ بالفعل، مع نهاية سنة 2014. هذا في حين ستستكمل معظم قوات الدول الغربية الأخرى الانسحاب قبل ذلك التاريخ. وفي مقدمة المنسحبين طبعاً يأتي الجنود الفرنسيون الـ 3600 الذين تعهد هولاند باستكمال سحبهم قبل نهاية العام الجاري. وهو قرار لا يتعارض مع سياسة أوباما، وإن كان يتسرع قليلاً عن مواكبة مواعيد أجندتها، تقول لوموند، التي تتساءل إن كانت هذه الأجندة التي وضعت كافة أبعادها على طاولة قمة شيكاغو، دليلاً على رغبة في انسحاب منظم، أم أنها بكل بساطة تملص من التزامات المهمة الأفغانية؟ هنا يراهن أوباما على مقاربة ذات بُعدين: فهو من جهة يراهن على أن قوات الجيش والشرطة الأفغانية ستكون جاهزة لتحمل أعباء مهمة ما بعد اكتمال الانسحاب الغربي، ومنع عناصر تنظيم "القاعدة" من العودة إلى البلاد، وكذلك الحيلولة دون عودة حركة "طالبان". ومن جهة أخرى يراهن أيضاً على قدرة الأفغان على التوافق والمصالحة الوطنية الداخلية فيما بينهم، بما في ذلك فتح قنوات حوار مع "طالبان" لسحبها باتجاه الاندماج في الحياة السياسية الطبيعية والمشروعة. ولكن هل ينجح هذان الرهانان؟ تتساءل الصحيفة، مفصّلة في تعداد العراقيل والعقبات التي قد تحول دون جريان الرياح بما تشتهي سفن أوباما، في مرحلة ما بعد الانسحاب، مبرزة في هذا المقام استمرار التجاذب الداخلي الأفغاني، معطوفاً على بعض التدخلات الخارجية التي تقول إنها آتية من بعض دول الجوار الإقليمي ذات الرهانات الخاصة في أفغانستان، وهذان تحديان لابد من وضعهما في الاعتبار، قبل التفكير في أية نهاية سعيدة ممكنة فيما بعد الانسحاب الغربي. هولاند ضد ميركل الكاتب بيير روسلين رصد في افتتاحية بصحيفة لوفيغارو بعض أوجه الاختلاف الأساسي والمبدئي في المقاربة بين هولاند والمستشارة الألمانية ميركل، بشأن سبل احتواء تحديات أزمة منطقة "اليورو"، والكيفية التي يتعين بها ضبط الإنفاق وتخفيف آثار سياسة التقشف المؤلمة، وخاصة في جوانبها الاجتماعية على شعوب الاتحاد الأوروبي. ولاشك أن مقاربتي باريس اليوم، وبرلين، لحزمة الحلول والتدابير الممكنة مختلفتان بشكل كبير. وأكثر من هذا يتبنى أوباما أيضاً رأياً مختلفاً بشكل كبير عن رأي ميركل فيما يتعلق باحتمال دفع اليونان للخروج من منطقة "اليورو". وفي حين ترى ميركل أن خروج أثينا يمكن إدارته بطريقة مأمونة يرى أوباما أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى اندلاع أزمة مالية كبرى في أوروبا، ستنتقل تداعياتها بسرعة شديدة إلى الولايات المتحدة، مما سيقضي بشكل قاطع على فرصه في إعادة الانتخاب في رئاسيات نوفمبر المقبل. وهذا هو السبب الحقيقي لدعم أوباما لموقف هولاند، ولذلك دفع بقوة قمة مجموعة الثماني الأخيرة إلى أن تضع أزمة اليونان على رأس أجندتها. ومع أن ثمة أيضاً اختلافات بين حيثيات الرؤيتين الفرنسية والأميركية، إلا أنهما متفقتان عموماً على معارضة ميركل التي ترغب في أن تكون انتخابات يونيو المقبل التشريعية في اليونان فرصة لاستفتاء الشعب اليوناني بشأن موقفه وتخييره بين الاستمرار أو الانسحاب من منطقة "اليورو"! وإذا قال الشعب اليوناني "لا" للبقاء في العملة الأوروبية الموحدة -كما هو متوقع- تبدأ مباشرة إجراءات انسحاب أثينا من منطقة "اليورو". غير أن وقوع سابقة خطيرة مثل هذه -يقول الكاتب- سيفتح صندوق "باندورا" على مصراعيه لتفكك محدق لمنطقة "اليورو" في النهاية. وهذه مجازفة لا تريد باريس -ومعها واشنطن- تحمل تبعاتها الخطيرة. والحل البديل هو إبداء قدر أكبر من "التضامن" والمرونة مع اليونان في محنتها الجارفة. ومثل هذا الكلام لا تطيق برلين سماعه. الانتخابات المصرية في بداية افتتاحية خصصتها صحيفة لوموند لمناقشة الأفق الجديد الذي تكشفت عنه الانتخابات الرئاسية المصرية قالت إن من المعروف أن التحديات الأصعب والأكثر تعقيداً في الثورات تأتي عادة في "الأخير". ومصر ليست استثناء من هذه القاعدة على رغم ما اتسم به اقتراع الدور الأول من انتخاباتها الرئاسية الذي جرى يومي الأربعاء والخميس الماضيين من هدوء ونجاح. واليوم بعد خمسة عشر شهراً بدأت أجواء ميدان التحرير الرومانسية تتلاشى، تاركة مكانها تعقيدات استقطاب سياسي واسع يقسم البلد على خطوط صدع سياسي بين رؤيتين لإدارة مستقبله وتحقيق تطلعاته. ومفهومٌ أن ما يجري في مصر مهم للغاية وذلك بالنظر إلى دورها الأساسي الإقليمي في الحفاظ على توازنات واستقرار منطقة الشرق الأوسط، حتى لو كان هذا الدور قد تراجع بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من عهد مبارك. والراهن أن خرائط الاستقطاب في مصر اليوم معقدة للغاية، حيث تنقسم صفوف جماعات الإسلام السياسي بشكل عميق بين "الإخوان" والسلفيين، فيما يجد الليبراليون أنفسهم في موقف دفاع صعب، وتستمر المؤسسة العسكرية في حضورها المؤثر في مجمل المشهد السياسي القائم. ومع هذا فقد ترتب على هذه الانتخابات الرئاسية الحرة، الأولى من نوعها، زخم من الحيوية والحراك الشعبي تستحق مصر عليه التهنئة بكل تأكيد. وأكثر من هذا أن السياسة استعادت اهتمام قطاعات واسعة من الشعب، وكان أوضح دليل على ذلك الاهتمام البالغ الذي حظيت به أول مناظرة رئاسية في تاريخ البلاد. وفي سياق متصل عدد الكاتب "فينسان جيريه" في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون بعض التحديات التي واجهت "الربيع المصري"، وفي مقدمتها تشتت المشهد السياسي واستقطاباته الحادة، وحضور وتنافس جماعات الإسلام السياسي من "إخوان" وسلفيين، وضعف المؤسسات والأطر الناظمة للعمل السياسي التي تم تهميشها خلال عهد النظام السابق، وطبعاً المصاعب الاقتصادية في بلاد تعاني قطاعات واسعة من سكانها الثمانين مليوناً من تداعيات الفقر والبطالة. وفي الأخير اعتبر الكاتب أن النموذج الإصلاحي المصري في حاجة ماسة اليوم للعمل بروح المصالحة السياسية والتوافق والوحدة الوطنية منعاً لأية استقطابات حادة قد تتكشف عن حالة عدم استقرار لن تقف تداعياتها عند حدود مصر، بل لو وقعت ستكون لها تأثيرات بالغة السلبية في سياق إقليمي عام لا تنقصه القلاقل ونماذج عدم الاستقرار. إعداد: حسن ولد المختار