أثبتت دراستان حديثتان أن المدن والبلدات الأميركية الممتدة على طول سواحل الولايات المتحدة، أكثر تعرضاً للمخاطر الناتجة عن ارتفاع مستوى مياه البحر، مما كان يعتقد في السابق. وكشفت الدراستان أيضاً أن هناك مساحات إضافية تقدر بـ 32 في المئة من إجمالي مساحة أراضي المدن والبلدان الممتدة على سواحل الولايات المتحدة، قد باتت معرضة لتأثير زيادة مستوى مياه البحر بمقدار متر واحد، وأن عدد السكان المعرضين لتأثيرات هذه الزيادة قد ارتفع إلى 87 في المئة من إجمالي عدد سكان المدن والبلدات الساحلية. والعدد والنسبة المذكوران يختلفان اختلافاً بيناً باختلاف المنطقة، حيث تأتي فلوريدا الجنوبية، ولويزيانا الجنوبية، وكارولينا الشمالية والجنوبية على رأس القائمة، وتقع فيها النسبة الأكبر من الأراضي المهددة من ارتفاع مستوى مياه البحر. وتشير الدراسة إلى أن أكثر السكان تعرضاً لهذه الظاهرة هم سكان فلوريدا، ولويزيانا، وكاليفورنيا، ونيويورك، ونيوجرسي على الترتيب. يشار إلى أنه منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر، ظل مستوى مياه البحر يرتفع بمعدل 8 بوصة في المتوسط على مستوى العالم، بفعل تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري. وخلال الفترة المتبقية من هذا القرن من المتوقع أن يرتفع مستوى مياه البحر 1-2 متر، وهو ما سيتوقف لحد كبير على مقدار ثاني أكسيد الكربون الذي يضخه البشر في الجو من خلال حرقهم للوقود الحفائري من ناحية، ومن خلال التغييرات التي يدخلونها على طريقة استخدامهم للأراضي. وهذا الرقم يمكن أن يزداد- بحسب دراسات سابقة- إذا ما ذاب الغطاء الجليدي في جرينلاند والمنطقة الغربية من القطب الشمالي بوتيرة أسرع مما هو متوقع في الوقت الراهن. وقد وجدت تلك الدراسة أن هناك 3.7 مليون شخص يعيشون في مناطق ترتفع عن مستوى سطح مياه البحر بمقدار متر أو أقل من ذلك. كما يشار في هذا الصدد إلى أن ولاية فلوريدا وحدها يوجد بها أراض عقارية قابلة للاستثمار تقدر قيمتها بـ 30 مليار دولار معرضة لخطر ارتفاع مستوى مياه البحر، وخصوصاً عند سواحلها الجنوبية الشرقية، وهو ما يمكن أن يعطي فكرة عن الأكلاف الهائلة التي ستترتب على استمرار الاحتباس الحراري بالوتيرة الحالية، أوارتفاع مستوى مياه البحر إلى المعدلات المتوقعة بحلول نهاية القرن الحالي- حسب الدراسة موضوع البحث. وتقدر هذه الدراسة أن الزيادات في مستوى مياه البحر التي تقل عن 1-2 متر ما زالت تمثل تهديدات وقتية وأنه خلال الفترة ما بين العام الحالي، وعام 2030 ستكون احتمالات التعرض لطوفان ساحلي هائل من النوع الذي يحدث مرة واحدة في القرن قد تضاعفت مرتين أو ثلاث مرات، في المناطق التي تغطيها الدراسة، وهو ما يعني أن ما يزيد عن نصف المواقع التي تغطيها هذه الدراسة مهددة بالتعرض لطوفان ساحلي من هذه النوعية. ويقول"بن شتراوس" عالم المناخ في مؤسسة "كلايمت سنترال" وواحد من كبار المساهمين في صياغة الدراسة "هذه الأخطار وشيكة وجدية". ويشار إلى أن باحثين من جامعة أريزونا، ومن الإدارة القومية لشؤون المناح والمحيطات، قد ساهموا في الدراسات. وتلك الدراسة هي الأولى التي تبحث في زيادة المخاطر، التي يتعرض لها الناس، والأراضي، والبنية التحتية بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر، وتقرر في استنتاجاتها النهائية بوضوح أن تلك المخاطر حقيقية. وأهمية تلك الدراسة أنها تأتي في الوقت نفسه التي تقوم فيه عدة ولايات أميركية بتطوير خطط للتكيف، والتعامل مع حقيقة ارتفاع مستوى مياه البحر. ففي ديسمبر 2010 على سبيل المثال، قامت قوة خاصة تابعة لولاية نيويورك، مهتمة بمتابعة ارتفاع مستوى مياه البحر، بإصدار تقريرها النهائي وتوصياتها بهذا الخصوص. وتضمن التقرير تحديداً للمناطق والبقاع المعرضة للخطر أكثر من غيرها، كما تضمن كذلك قائمة بالخطوات التي يجب اتباعها لمعالجة تلك المخاطر وتقليصها لأقل حد ممكن. ركزت التوصيات التي قدمتها تلك القوة على تحديث الخرائط، وغيرها من البيانات والمعطيات المطلوبة لمراقبة التغيرات في نوعية ودرجة المخاطر المعرضة لها المجتمعات الساحلية. وخلال السنوات القليلة الماضية، بدأت ولاية كاليفورنيا والحكومات المحلية في جنوب شرق فلوريدا بإجراء تقييم للخيارات المطروحة للتعامل مع ظاهرة ارتفاع مياه البحر. المشكلة أن أكثر المناطق تعرضاً لذلك الخطر هي أكثرها قابلية للاستثمار العقاري في نفس الوقت. ففي عام 2009 ، قامت وكالة الحماية البيئية الأميركية، ومعهد "وودز هول أوشيانوجرافيك" وعدد من وكالات التخطيط المتخصصة الأخرى، بمراجعة خطط التطوير للمجتمعات الواقعة في شمال وجنوب الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ويشار في هذا السياق إلى أن 60 في المئة من المدن والبلدات والمناطق التي ترتفع عن سطح البحر بمتر واحد قد خصصت لنوع أو آخرمن أنواع التطوير، وأن أقل من واحد في المئة فقط من تلك الأراضي هو فقط الذي تم تخصيصه كي يكون محمية طبيعية. وتقترح التوصيات أيضاً اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان عدم توغل مياه البحر للمناطق الداخلية(في حالة حدوث طوفان من النوع الذي سبقت الإشارة إليه)، ومن المعروف أن تلك الأراضي التي عادة ما تكون عبارة عن برك ومستنقعات وتجمعات كبيرة للمياه الضحلة، لا تفيد فقط كحضانات للحياة البحرية - مما يجعل لها قيمة اقتصادية بالتالي - وإنما تفيد أيضاً كمنطقة عازلة ضد أي طوفان مفاجئ. بيتي سبوت كاتبة أميركية متخصصة في شؤون العلوم والتقنية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"