في الوقت الحاضر، أصبحت الثقافة مشكلة، فعلماء الأنثروبولوجيا يعرفون الثقافة بأنها "طريقة حياة شعب ما". ووفقاً لذلك يمكن الحديث عن ثقافة إماراتية وثقافة هندية وأخرى صينية وهلم جرا. لكن هل هذه النعوت في عالم اليوم المعولم الذي تتدفق فيه التفاعلات وتختلط الشعوب ذات معنى حقيقي، أو تعني لنا شيئاً مقنعاً؟ وهل توجد حقيقة هكذا أشياء كأن يكون الإنسان ذا ثقافة إماراتية أو صينية أو هندية خالصة في العموم، في مقابل وجود ثقافة أخرى غير إماراتية أو صينية أو هندية؟ وإذا كان لا يوجد في عالم اليوم شيء من هذا القبيل، فهل نقوم بإلغاء مصطلح ثقافة من قواميس لغات الشعوب؟ والواقع بالإمكان القول إن الثقافة مستمرة في أن تعني لنا شيئاً إذا استطعنا أن نجمع ما بين التعريف أعلاه، بأن الثقافة هي "طريقة حياة شعب ما" و مقولة أكثر معاصرة للثقافة بأنها هي المعلومات والهوية المتاحة المستمدة من "السوق الثقافي العالمي" - بمعنى الثقافة كما يتم صقلها من قبل الدولة في مقابل الثقافة كما يتم صقلها من قبل قوى السوق. وبهذه الطريقة يمكن القيام بذلك عن طريق نظرية للثقافة قائمة على صقل الذات، ومن ثم يبدأ البحث والتنقيب في أسئلة تخص الهوية الثقافية: فكيف نقوم بصياغة من يكون ثقافياً أو من هو الذي يمكنه القيام بذلك نيابة عنا؟ ونظراً لأن الحديث هنا عن الهوية الثقافية، فيمكن القول بأن معظم البشر يميلون إلى التفكير عن الثقافة بأنها الانتماء إلى مجتمع معين: فالإماراتيون لديهم ثقافة إماراتية والألمان لديهم ثقافة ألمانية والهنود لديهم ثقافة هندية إلى آخر المطاف. لكن هذا الأمر أصبح في هذه المرحلة من تاريخ البشرية مربكاً، أو باعثاً على الحيرة: فنحن فعلاً ننتمي إلى ثقافة وطنية محددة، وهي أننا إماراتيون، لكننا نعيش في عالم، الشعوب فيه منفتحة على بعضها بعضاً بشكل يصعب معه الحد من تأثيرها على بعضها بعضاً، فنحن نستطيع اختيار ما نود فعله وممارسته سواء كان ذلك من ثقافتنا أو من ثقافات أخرى أو على الأقل أننا نعتقد بأننا نستطيع الاختيار مما يمكن لنا تسميته بأنه "السوق الثقافي العالمي"، فنحن نستطيع أن نلبس الثوب أو الكندورة الإماراتية في الصباح والجينز الأميركي أثناء السفر، والبدلة الغربية عند حضور حفل الاستقبال. والنتيجة التي تتمخض عن ذلك هي وجود تناقض في عالم اليوم الذي تربطنا أركانه عبر الإعلام. صحيح أننا نشعر بأننا ننتمي إلى ثقافة وطنية بعينها، ونؤمن بأنه يجب علينا تمجيد ثقافتنا والاعتزاز بها في مواجهة الثقافات الأخرى، لكننا نقوم أيضاً وفي كل لحظة بالاستهلاك من "سوق ثقافي عالمي". ونعتقد بأننا نستطيع أن نشتري أية سلعة ونمارس أية ممارسة، وأن نطبخ أي شيء نريده (بغض النظر عن كونه ذلك ليس صحيحاً في المطلق)، لكن الحقيقة أننا لا نستطيع أن نكون الشيئين معاً في الوقت نفسه. فنحن لا يمكننا امتلاك جميع ثقافات العالم لكن نختار منها ونحتفظ بخصوصية ثقافتنا الأصلية كاملة وغير منقوصة. وإذا كان المرء منا يعتقد بأنه يستطيع اختيار جوانب من حياته وثقافته الخاصة من العالم أجمع، فأين هو موطنه الحقيقي؟ وهل تبقى له وطن يحن إليه ويعود إليه؟ وهل الأوطان والجذور أصبحت ببساطة عبارة عن سلعة واختيار استهلاكي يقوم به بني البشر؟ تلك النوعية من الأسئلة ستبقى حائرة، وسنبقى معها كبشر حائرين أيضاً حول أن نبقى متمسكين بشكل "أصولي" بثقافتنا التقليدية الأصلية أم نمازج بينها وبين الثقافات الأخرى في هذه المرحلة من تطور عالمنا المعولم؟