كانت الهند في السابق إحدى الدول المعروفة بتلقيها للمساعدات الدولية والقروض المختلفة من المؤسسات المالية العالمية، لكنها اليوم أصبحت من البلدان المانحة للمساعدات المالية لعدد متزايد من الدول الفقيرة التي هي في حاجة ماسة إلى التنمية. وهكذا انتقلت الهند من مرحلة الاستفادة من القروض والتدخلات الدولية العاجلة لإنقاذها مثلما حصل في تسعينيات القرن الماضي عندما استفادت نيودلهي من قرض عاجل من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.2 مليار دولار لإعادة التوازن لماليتها المختلة إلى بلد مختلف هذه المرة يقف إلى جانب الدول الفقيرة بعدما برزت الهند في السنوات الأخيرة كقوة اقتصادية معتبرة. واستطاعت الهند تحقيق نمو اقتصادي مستدام على مدى العقدين الماضيين احتلت فيهما مكانة مرموقة على الساحة الدولية، وصار يُشار إليها على أنها قوة صاعدة تضاهي الصين وباقي الاقتصادات الناشئة ذات النمو الاقتصادي المرتفع. والنتيجة أن الهند بدأت تشهد تسارعاً في وتيرة المساعدات التي تقدمها إلى دول الجوار، وتصاعد الأمر أكثر مع تحقيق مكاسب اقتصادية جعلتها البلد الآسيوي الأكثر نمواً في القارة لتمتد ذراعها الإنسانية ليس فقط إلى الدول القريبة، بل إلى دول أفريقية وأخرى في أميركا اللاتينية وجزر الكاريبي. وفي هذا الصدد، أعلن رئيس الوزراء، مانموهان سنج، حزمة من المساعدات خلال السنة الماضية قُدمت إلى عدد من البلدان الأفريقية بلغت قيمتها 5 مليارات دولار لتمويل جملة من مشاريع التنمية، وتلك المتعلقة بتطوير البنية التحتية، وهي أموال يتوقع أن تُنفق على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتغطي عدداً من المشروعات المهمة، هذا بالإضافة إلى تخصيص 700 مليون دولار كما جاء في إعلان رئيس الوزراء لبناء المرافق التعليمية في تلك البلدان. وفي شهر مايو الجاري كشفت الهند أيضاً عن حزمة مساعدات بقيمة 100 مليون دولار تُخصص في شكل قروض لمالي وتُرصد خصيصاً لتطوير عملية الربط الكهربائي بين المدن والبلدات في جنوب مالي، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه الهند توجيه 250 مليون دولار من القروض إلى موريشيوس لمساعدتها على تطوير مشاريع البنية التحتية. وفي محيطها القريب وفرت الهند قرضاً لبنجلادش بقيمة مليار دولار عام 2010، والذي يعتبر أكبر قرض تمنحه الهند لدولة واحدة. لكن وبالإضافة إلى القروض التي تمنحها الهند إلى الدول القريبة والبعيدة. وتقوم الهند أيضاً بتوفير منح ومساعدات مالية إلى عدد من البلدان لتمويل مشاريع الربط الكهربائي مثلما حصل في أفغانستان، وتوفير الدعم لمشاريع إعادة الإعمار في سريلانكا، وبعض البلدان الآسيوية الأخرى مثل ميانمار. والحقيقة أن برنامج المساعدات الهندي أصبح أكثر طموحاً اليوم مع التوسع الاقتصادي الكبير للهند والنمو المتسارع الذي أحرزته في السنوات الماضية، واتساقاً مع هذا التوسع في تقديم المساعدات وانعكاساً لقوة الهند ونفوذها على الساحة الدولية أحدثت وزارة الخارجية الهندية قسماً خاصاً بتنسيق المساعدات الخارجية لتسهيل عملية استفادة البلدان من القروض والمنح. ولعلَّه من السمات الأساسية التي تتميز بها الهند في مجال المساعدات أنها لا تقرنها بالشروط سواء كانت اقتصادية، أو سياسية، أو غيرها، وذلك خلافاً للمساعدات الغربية التي غالباً ما تأتي مصحوبة بشروط سياسية مرهقة، بل إن الهند تؤكد في كل مرة أنها تقدم مساعدات مالية ولا تسعى إلى فرض أفكارها، أو الترويج لأيديولوجيات معينة. والأكثر من ذلك، وحتى تضفي الهند شعوراً بالارتياح لدى الدول المستفيدة، تستنكف عن وصف مساعداتها بالهبات والمنح، مُطلقة عليها اسم الشراكة في التنمية إزالة لأي حرج. وبدلا من فرض أولويات على الدول المستفيدة من المساعدات مثلما تفعل الدول الغربية التي تحدد أجندة المساعدات والقطاعات المستفيدة تمتنع الهند عن التدخل في طريقة صرف الهبات والمساعدات. وهكذا عندما ألغت الهند ما قيمته 200 مليون دولار من قرضها لبنجلادش البالغ مليار دولار، أكد المسؤولون الهنود لنظرائهم في بنجلادش أنهم أحرار في وضع أولوياتهم الاقتصادية وتحديد المشاريع التي ستستفيد من الدعم دون أدنى وجه من وجوه التدخل الذي يقترن بتقديم المساعدات في الغرب. لكن رغم توسع الهند في توفير المساعدات المالية لدعم المشاريع الإنسانية والخدمية، فإنها تقوم بذلك وهي تنظر إلى العوائد الاستراتيجية، فالعديد من المشروعات التي تمولها الهند في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية تهدف إلى تعميق النفوذ وتحسين صورتها. وعلى سبيل المثال كان لمشروع الربط الكهربائي في كابل أثر إيجابي على الحضور الهندي في أفغانستان، لا سيما بعدما استفاد الأفغان من الكهرباء بأقل تكلفة، بل إن العديد من المشاريع التي تشرف عليها نيودلهي تقوم بإنجازها الشركات الهندية، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على مجمل الاقتصاد الهندي، لكن وعلى غرار العديد من الأمور المرتبطة بالهند تنطوي عملية تقديم المساعدات على بعض المفارقة، لا سيما في ظل استمرار الهند نفسها في الاستفادة من المساعدات الدولية. وعلى سبيل الهند، تتهيأ بريطانيا لتوفير أكثر من مليار دولار من القروض للهند على مدى السنوات الأربع المقبلة كجزء من تصفية التركة الاستعمارية القديمة للإمبراطورية البريطانية، وهي المساعدات التي تثير معارضة شديدة في بريطانيا التي لا تستطيع اليوم الاستمرار في سخائها مع ما تعانيه من أزمة اقتصادية طاحنة، بالإضافة إلى ذلك حصلت الهند وفقاً لبعض التقديرات على 200 مليون دولار بين 2010 و2011 من بنك التنمية الآسيوي، كما استفادت من قرض بقيمة 5.5 مليار دولار من البنك الدولي لتطوير قطاعها الاجتماعي. وفي جميع الأحوال تبقى الحقيقة أن الهند سائرة في طريق النمو الاقتصادي والتوسع في عدد من الميادين، وهو ما يستتبع تصاعد الطموحات الاستراتيجية التي من بين آلياتها إغداق المساعدات وتوفير الدعم للدول المحتاجة ذات الأهمية الجيوسياسية بالنسبة للهند الصاعدة.