حتى هذه اللحظة لا تزال عملية الفرز جارية على قدم وساق في الانتخابات الرئاسية المصرية التي تمت على مدار أول يومي أول من أمس وأمس. ومن يمعن النظر فيما جرى قبل الانتخابات، أي خلال عملية الدعاية والتعبئة، وكذلك وقت التصويت يجد أن هناك حزمة من القيم العامة التي تحكم انتخاب الرئيس في عملية الاقتراع هذه التي تشكل حدثاً لم تشهده مصر طيلة تاريخها المديد. ويمكن سرد هذه القيم على النحو التالي: 1- الإنجاز: سيصوت البعض لشخص الذي يعتقدون أنه سيحقق إنجازاً كبيراً، يخرج البلاد من مشاكلها المعقدة التي خلفها نظام مبارك، ولاسيما حيال قضايا التنمية والأمن والحريات العامة، واستعادة هيبة مصر ومكانتها الإقليمية والدولية. 2 - الانتماء: هناك من سيمنح صوته للمرشح الذي يتوافق مع أيديولوجيته أو اتجاهه السياسي، إسلامياً كان أم يسارياً أو ليبرالياً. وهناك أيضاً التصويت على أساس العلاقة بالثورة وقواها ومطالبها وعلى النقيض مدى الارتباط بنظام مبارك وفلوله. 3 - التردد: لا تزال هناك قطاعات عريضة من المواطنين متحيرة بين اثنين من المرشحين أو أكثر، وهو ما تدل عليه بعض استطلاعات الرأي وتبين أن هؤلاء يشكلون نسبة تربو على أربعين في المئة ممن لهم حق التصويت. 4 - العزوف: هناك نسبة لا يستهان بها ستعزف عن المشاركة، فلا توجد انتخابات يحضرها كل من يحوزون هذا الحق. وهذا السلوك السلبي يمكن أن يسهم في تغيير خريطة التصويت ونتائجه، فكلما تراجع حجم المشاركين كلما تحسنت فرص المرشح الذي تسنده تنظيمات صارمة تعبئ أفرادها بإصرار للذهاب جميعاً إلى لجان الاقتراع. 5 - الاصطياد: هناك من يراهن على وجود كثيرين من المترددين والمذبذبين يمكن اصطيادهم خارج اللجان مباشرة، وقد يكون ذلك بالدخول معهم في حوار مباشر لإقناعهم بالتصويت لمرشح معين، أو من خلال جذب أنظارهم وملء أسماعهم بصور واسم مرشح محدد، بما يجعلهم يشعرون بأن له الغلبة، أو هو الأفضل، ومن ثم يمنحونه أصواتهم. 6 - الحماسة: حول كل مرشح هناك مجموعات من المتحمسين، يتفاوتون من واحد إلى آخر، وهؤلاء يلعبون دوراً كبيراً في خطف الأصوات، أو الدفاع عن مواقف المرشحين أثناء التصويت والفرز، وبالتالي فلهم دور كبير في مساعدة مرشح على الفوز في خاتمة المطاف. 7 - التزييف: فالتزوير بشكله التقليدي القائم على استبدال الصناديق، وتسويد بطاقات فارغة، وعدم دقة الكشوف الانتخابية، وتصويت الموتى، ومنع ناخبين من الوصول إلى اللجان باستخدام "بلطجية"، قد ولى إلى حد كبير، ولكن سيحل محله تزييف الإرادة بالإفراط في استخدام الدعاية الدينية، وتوظيف المال السياسي، وكسر القواعد التي تحكم العملية الانتخابية، والقيام بأفعال غير أخلاقية من أجل خطف الأصوات بأي طريقة، وأي ثمن. 8 - الاستلاب: هناك ملايين الناخبين باتوا مستلبين، بغير وعي، حيال الدعاية السوداء التي أُطلقت ضد الثورة والثوار، وهي ترقى إلى مستوى الحرب النفسية، التي تصل إلى النجاح التام حين يقوم الخصم باتخاذ القرار الذي يحقق مصلحة من يشنها. وعلى مدار 15 شهراً تم تنفيذ خطة محكمة لفصل الطليعة الثورية عن القاعدة الشعبية. وقد قامت هذه الحرب على أساس إرهاب الناس وتخويفهم من الاضطراب وتفكك الدولة وتفشي الجرائم وتهديد المصالح المباشرة، وذلك حتى ينحازوا في النهاية إلى من يدعي أنه سيعيد الأمن في وقت قصير، ويصبح هذا هو المحدد الرئيسي لاختيارهم في الانتخابات. 9 - الطموح: لاشك أن هذه القيمة تراود كل المرشحين بلا استثناء، بعضهم يطمح لأمته، وبعضهم يطمح لجماعته، وبعضهم يطمح لنفسه. وهناك من الناخبين من يعي جيداً الفروق الجوهرية بين هذه الألوان من الطموح وعلى أساسها سيحدد إلى من سيذهب صوته. وفي المقابل فإن الطموح شكل مادة قوية لدفع المرشحين أنفسهم، ومن يقف خلفهم، إلى بذل كل جهد مستطاع في سبيل الوصول إلى الرئاسة، وهي مسألة لمسناها جيداً أثناء مرحلة الدعاية، إلى درجة أدهشت كثيرين وجعلتهم يتساءلون عن مصدر الطاقة الجبارة التي تحرك المرشحين أو يتحركون بها بين جمهور الناخبين. 10 - المفاضلة: فهناك اقتناع لدى كثيرين بأن المتصدرين للمشهد الانتخابي ليسوا الأفضل من بين الشخصيات المصرية العامة، لكنهم هم الذين أخذوا القرار وتقدموا للسباق، بينما بقي بعيداً من تعفف أو تهيّب أو رفض المزاحمة. ومع هذا فالناس ليس أمامهم سوى الاختيار من بين هؤلاء، وسيرتبونهم في أذهانهم وفق معايير عديدة، ثم يصوتون لصالح من يحظى بقبولهم. ولكن ليس كل المنتخبين يفاضلون بين المرشحين وفق معايير منطقية، بل يغلب على كثيرين الاختيار العشوائي لعوامل عدة معقدة يمكن أن نبحث عنها في الدراسة المتأنية لنفسية الجماهير، وتصرفات الحشد. وأخيراً فبعد نشر هذا المقال بيومين ستكون الصورة قد اتضحت، وتم تحديد اسمي المرشحين اللذين بقيا في السباق، وهذا من منطلق ما نرجحه جميعاً من أن أحداً ليس بمكنته أن يحسم الأمر من الجولة الأولى، ولا أتوقع أن تتغير هذه القيم العامة في الجولة الثانية، ولكن ربما تضاف إليها قيم أخرى، لا يمكن أن نفهم طبيعة هذه الانتخابات ونتائجها بعيداً عن الإلمام بها وإدراكها وفهمها وتحليلها على وجه علمي دقيق.