في مثل هذا الشهر من عام 2006 وضع "حزب الله" لبنان على كف العفريت الإسرائيلي، ولا زالت آثار تلك الحرب التي لم يكن لها داعٍ ماضية وقائمة وجروحها لم تندمل بعد، حتى وقعت الأحداث الأخيرة التي شهدها شمال لبنان وسقط قتلى وجرحى ضمن أحداث لا يحتاج لبنان إلى مزيد منها ولا إلى غيرها من الفتن ما ظهر منها وما بطن. فلبنان الذي عاش عقوداً من الأزمات والحروب ينبغي ألا يكون ضحية لتنفيسات النظام السوري ومخرجاً سهلاً للضغوط التي تحركها الثورة المشتعلة في الداخل المأزوم. إن انعكاسات أزمة النظام السوري مع شعبه يجب ألا تأخذ هذا المنحى التصاعدي تجاه الجار بالجنب، وقد عانى لبنان مرارة الوجود السوري حتى تنفس الصعداء، وبعد خروج الجيش الذي مكث رابضاً على قلوب اللبنانيين حكومة وشعباً قرابة ثلاثة عقود لم يذق لبنان فيها لذة النوم إلا على أصوات القصف المستهدف والعشوائي. فالصيف في لبنان كان دائماً محط وضع الرحال ومتنفس طالبي الهدوء النفسي والاسترخاء في أجواء ملؤها الأمل في المستقبل، ولكن قدر هذا البلد بعد هذه الأزمة الراهنة أن يتوقف الطيران والسفر إلى بلد يعتبر عادة على رأس قائمة الباحثين عن الجمال في النفس والطبيعة الخلابة. ويبدو أن النظام السوري بعد أن ضاق عليه الخناق، لم يرَ شيئاً أمامه إلا سياسة خلط الأوراق وفتح ملفات جديدة للابتعاد عن إطفاء الحريق الناشب في داخله، ولو بإشعال حرائق جانبية لإلهاء الآخرين عن تركيز الأذهان إليه من أجل الاستفراد بالشعب وممارسة العنف والقمع تحت أعين الرقباء الدوليين، فهل هناك استخفاف بالإنسانية قبل الأنظمة الدولية أكثر من هذا الذي لا يكاد يغيب عن الأنظار على مدار الساعة. يراد من لبنان المحبة والسلام أن يدفع ثمن نظام لا يعبأ بحقوق شعبه، فضلاً عن التفكير في حق الآخرين في العيش بعيداً عن الأزمات والحروب الأهلية وغيرها من الفتن. إذا كان النظام السوري ماضياً في سياسة تصدير أزمته الحقيقية مع شعبه إلى الآخرين، كما ذكر ذلك في بداية الأزمة، فإن على اللبنانيين حكومة وشعباً وبكل فسيفسائه الانتباه جيداً إلى أن دخولهم جميعاً على هذا الخط الساخن ليس في مصلحة لبنان ولا من مصلحة أي حزب أو طائفة حتى وإن قيل إن هناك أفراداً في لبنان يذهبون بعيداً مع النظام السوري بحكم العلائق السياسية القديمة والمتجددة في وقت الأزمات بالذات، وبغض النظر عن أعدادهم أو أحزابهم وطوائفهم، فإن سلامة الوطن في لبنان فوق الجميع، ولن يشفع النظام السوري لأحد في ظل الأوضاع المتردية والناجمة أصلاً من ذات النظام وتركيبته الأمنية منذ النشأة، وليس في هذا الوضع شيء جديد يضاف غير ما يحدث في الداخل السوري ولا علاقة للبنان بذلك من قريب ولا بعيد. إن الهدوء النسبي الذي عاشه لبنان منذ حرب 2006 يراد تحويله اليوم إلى عاصفة تقتلع أسس بناء الوطن الذي هو بحاجة إلى كل نسمة استقرار لإعادة المياه المتدفقة إلى مجاريها في أرض لبنان الخصبة بحضارتها وإنسانها، وهو ما لا ينبغي لأحد الاختلاف حوله أو عليه.