التأمَ عِقدُ الشباب الخليجي الشهر الماضي بالرياض في مؤتمر "الشباب الخليجي: دول الخليج العربية من التعاون إلى الاتحاد"، وتداولوا على مدى يومين الرؤى حول تحوّل مجلس التعاون إلى اتحاد بناء على اقتراح عاهل المملكة العربية السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز في قمة التعاون الأخيرة بالرياض العام الماضي. لم يتحدث في هذا المؤتمر (الكبار) بل أداروا الجلسات وتحكّموا في الوقت فقط. كان الشباب مدفوعاً بالأمل والحماس، ورأوا أن الوقت قد حان ليتحول مجلس التعاون إلى اتحاد. وفي نهاية المناقشات -مع ورشتي عمل تعلقتا بذات الموضوع- خرج الشباب بتوصيات أكدت على الحاجة للاتحاد، ولقيام كيان دفاعي قادر على مواجهة الأخطار الخارجية، وخلق بنى تحتية للأجهزة السياسية من أجل تعزيز قيام الاتحاد، وتعزيز الجبهة الداخلية للاتحاد عن طريق تفعيل المشاركة السياسية وتطوير آلياتها ضمن المؤسسات الوطنية والاتحادية، واعتماد مبدأ التدرج في التحول إلى الاتحاد، وتعزيز الأواصر الاقتصادية، وتوحيد التشريعات الاتحادية، وأن يكون الشباب محور التنمية، وتعزيز دور المجتمع المدني وقيم المساواة في الفرص والتنمية، وضرورة أن يكون هنالك تواصل بين الشباب الخليجي لعقد المؤتمر سنويّاً في عواصم دول مجلس التعاون. في الواقع هنالك عشرون توصية مهمة في هذا الشأن، وكلها تصبُّ في رؤية محددة هي دعم الجهود من أجل قيام الاتحاد. بل إن بعضها قد عالج قضية الخلل السكاني بطرح أفكار لتوظيف الخليجيين في الدول الأخرى، وكذلك معالجة البطالة الموجودة في بعض الدول. تلك هي رؤية الشباب وأملهم في مستقبل أيامهم! ولكن رؤية (الشيّاب) المخضرمين كانت تختلف، وإن لم ترفض حتمية قيام الاتحاد! ذلك أن الصيغة التعاونية التي قام عليها مجلس التعاون الحالي، لم يتحقق منها إلا القليل من طموحات أبناء الخليج! وأخذت الحساسيات السياسية قرابة ثلاثين عاماً حتى تم حلّ المسائل ذات الخلاف، وخصوصاً أن مجلس التعاون قد جاء بعد حقبة "فراغ القوة " إثر قرار بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج عام 1971 وبداية استقلال دول الخليج، ومع نشوب الحرب العراقية- الإيرانية التي امتدت ثماني سنوات وما استتبعها من تطورات أمنية مثل احتلال أفغانستان، والخوف من تقرّب الاتحاد السوفييتي إلى مياه الخليج، واحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. وقيام مجلس التعاون عام 1981 كان حتمية عسكرية وأمنية في المقام الأول، على رغم ما كان قد رُوّج له -آنذاك- من روابط تاريخية ووحدة الهدف والمصير والسمات المشتركة وغيرها من الألفاظ التي كانت وقتها مشروعة، في ظل الظروف الأمنية. ولكن مع دخول مجلس التعاون عامه الثلاثين، فإن العديد من المحللين قد أكدوا "عسكرية" المجلس "بفعل محدودية إنجازاته في المجالات الأخرى، وبفعل تماسك المجلس الذي بدا في حرب تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1990 عبر التحالف الدولي الذي قادته دول المجلس، وهو أمر عسكري! وكذلك وقوف دول المجلس مع مملكة البحرين خلال الأحداث التي جرت العام الماضي والإشارات إلى تدخل إيراني في شؤون المملكة، وبالتالي دخول قوات من (درع الجزيرة) إلى البحرين لحماية منشآتها الحيوية، وهو أيضاً أمر عسكري!. إذن فالصورة تبدو واضحة من أن المجلس قد قام لضرورات أمنية في المقام الأول، في ظل بطء المسيرة وعدم استكمال مقومات التعاون، بفعل "الاحتماء" بسيادات الدول واختلاف نهوجها السياسية الخارجية، الأمر الذي سيشكل عقبة أمام الاتحاد، حتى لو كان يحمل الصيغة (الكونفدرالية)، أو الصيغة (التكاملية). لقد أعلنت إحدى دول مجلس التعاون أنها لن تدخل في الاتحاد، مُفضِّلة البقاء على الصيغة التعاونية، لأنها الأنسب -كما تقول- لهذه المرحلة. في حين تتشجع دول أخرى للدخول في الاتحاد اليوم قبل الغد! بينما ظلت دول أخرى "صامتة" ولم تحدد موقفها حتى الآن من هذا الموضوع. وكانت اللجنة المختصة بوضع تصوّر للاتحاد قد عقدت اجتماعها بالرياض ورفعت تصوراتها إلى اللقاء التشاوري لقادة دول المجلس بالرياض. وإذا كان التعاون العسكري قد نجح في امتحانين مهمين كما ذكرنا، في الوقت الذي ما زال فيه التعاون في المجالات الأخرى يراوح في مكانه، فإن المواطن الخليجي أصبح مُدركاً الآن بأن تشكيل (حلف دفاعي) قد تكون له أهميته لدى بعض أصحاب القرار السياسي، ولربما هو الأنسب والأسرع تنفيذاً والأكثر اتفاقاً!؟ لأن مهددات الأمن والاستقرار تهدد التنمية وبقاء سلطة الدولة. ولذا، فإن الأمن مطلوب ليس لبقاء الدول فحسب، بل لبقاء الشعوب أيضاً! وقد لا يكون عليه أي خلاف بين أبناء المنطقة وقادتها على السواء. ومهما يكن من أمر، فإن إعداد الشباب للمستقبل وسماع صوته أصبح من الضروريات التي يجب أن تنتبه لها الدول وتحرص على أن يعبّر الشباب عما يجول في خاطره، لأن شباب اليوم هم قادة الغد، وعليه الأمل في تحمل مسؤولية إدارة الشأن العام في بلدانهم.