سعت دولة الإمارات، منذ نشأتها، إلى بناء نموذج اقتصادي وطني خاص بها، مستهدفةً أن تجعل من نفسها نموذجاً للاقتصاد المتطور، الساعي إلى توظيف الإمكانات الوطنية، واستغلالها على الوجه الأمثل من ناحية، والمنطلق إلى الآفاق العالمية، والآخذ بمقتضيات العصر ومستجداته من تطبيقات تكنولوجية ومعايير عمل وطرق إنتاج، والساعي إلى تطويعها في خدمة الأهداف والخصوصية الوطنية من ناحية أخرى. واستطاعت الدولة بالفعل أن تحقق الجزء الأكبر من هذا الحلم الطموح، فتمكنت من جعل نفسها مركزاً إقليمياً للأعمال والأنشطة الاقتصادية، وأحد المراكز المميزة والجاذبة على المستوى العالمي، وفي الوقت نفسه تمكنت من وضع نفسها كحلقة الوصل المتينة بين الأسواق الإقليمية من ناحية، والأسواق العالمية من ناحية أخرى، فاكتسبت سمعة عالمية كأحد مراكز إعادة التصدير المميزة على خريطة التجارة العالمية، ومثلت نقطة عبور للسلع والمنتجات من الأسواق الإقليمية إلى الأسواق العالمية، وفي الاتجاه المعاكس أيضاً. وعلى التوازي مع ذلك استطاعت دولة الإمارات كذلك أن تؤسس لنفسها نظاماً مالياً ومصرفياً متطوراً، يوازي في كفاءته ومرونته، وفي طرق العمل والأدوات المستخدمة فيه، وكذلك في الخدمات المقدمة إلى العملاء، ما هو متوافر في النظم المالية والمصرفية في الاقتصادات المتقدمة، بل تمكنت الإمارات بفضل بيئتها، ومناخها الاستثماري المواتي لعمل المؤسسات المصرفية والمالية، من اجتذاب المؤسسات المالية والمصارف العالمية الكبرى، التي انبرت بدورها لافتتاح فروع لها في الدولة. وقد ترافق ذلك مع تأسيس الدولة سوقاً مالية وطنية متطورة، ترتكز بداية على قاعدة اقتصادية متينة، بقاعدة مالية وجدارة ائتمانية رصينة، أهّلتها للحصول على تصنيفات جيدة من مؤسسات التصنيف الدولية، ومكنتها من استيعاب الصدمات التي تسببت بها "الأزمة المالية العالمية"، وما ترتب عليها من تداعيات، من دون حدوث أي انتكاسات. ولم تكن لهذه الأزمة أصداء سلبية تذكر على الأوضاع المالية والائتمانية الوطنية، فاستطاعت الدولة أن تخرج من أسوأ مراحل الأزمة بمكاسب فاقت حدود التوقعات، ليس أقلها الخبرات التي اكتسبتها المؤسسات المالية والنقدية الرسمية في مجال إدارة الأزمات المالية والتعامل الآني معها، وتحصين الاقتصاد الوطني ضد أي أزمات محتملة في المستقبل. وبفضل هذا الأداء الاقتصادي والمالي المستقر، تمكنت دولة الإمارات من أن تحوز ثقة المستثمرين من مختلف بقاع الأرض، فاستحوذت على نصيب وافر من التدفقات المالية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة الآتية إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وباتت تمثل قبلة لمثل هذه التدفقات، الساعية إلى البحث عن أجواء مالية عالمية مفتوحة وأوضاع اقتصادية محلية مستقرة، وبدأت المؤسسات الدولية في منح دولة الإمارات مراتب وتصنيفات تتشابه مع التصنيفات التي تمنحها لسويسرا، التي تعد المركز المالي العالمي الأكثر جاذبية. وبناءً على الخلفية السابقة، وفي ضوء آراء الخبراء العالميين، والتقارير الدولية التي تصدر بين الفينة والأخرى متضمنة شهادات إيجابية في حق الاقتصاد الإماراتي، يأتي ما ذكرته صحيفة "فايننشال تايمز"، في تقرير لها مؤخراً، من أن الإمارات هي سويسرا الشرق الأوسط، وهي شهادة دولية تؤكد المكانة التي باتت الدولة تحتلها في أعين المتابعين والمتعاملين في الأوساط الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي. ــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.