تابعتُ باهتمام بالغ نتائج قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت الأسبوع الماضي في العاصمة السعودية الرياض، حيث تواصلت مناقشات مهمة حول إمكانية تحول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد. والواقع أن طموحات التكتل جريئة ومثيرة للإعجاب. وفي هذا السياق، فكرتُ أن القراء الكرام قد يجدون فائدة في الاطلاع على كيف تبدو الأمور بالنسبة للمملكة المتحدة بخصوص جوانب اقتصادية مهمة من الاتحاد الأوروبي، وهو اتحاد نوجد فيه منذ عام 1973. وأود أن أركز هنا على محتوى خطاب ألقاه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون، يوم الجمعة الماضي، على معهد المديرين في مانشستر، وهي مدينة عزيزة على قلوب الكثير من الإماراتيين المحبين لكرة القدم. موضوع الخطاب كان هو الأزمة الاقتصادية المتواصلة والحاجة إلى تمسك حكومة المملكة المتحدة ببرنامجها الداخلي الذي يروم خفض العجز على الرغم من ثلاثة متطلبات خاصة هي: ضمان تعافي المملكة المتحدة الداخلي، والتعاطي مع الاضطرابات القادمة من منطقة اليورو، والحاجة المستمرة إلى إصلاح النظام المالي العالمي وانفتاح التجارة العالمية. فبخصوص منطقة اليورو، قال رئيس الوزراء كامرون إنه يدرك أن بعض البلدان داخل منطقة اليورو قد لا تستسيغ نصائح من بلدان تقع خارج المنطقة، مثل بريطانيا. غير أنه شدد على أهمية دروس أزمة منطقة اليورو بالنسبة للتعافي الداخلي للمملكة المتحدة. وعموماً، هناك ثلاثة مجالات مهمة حيث يجب اتخاذ تدابير من أجل معالجة المواضيع الخطيرة التي تواجه منطقة اليورو بشكل مباشر. أولاً، ينبغي أن يكون ثمة نشاط نقدي أكبر من قبل البنك المركزي الأوروبي ودعم للطلب من النواة الصلبة لمنطقة اليورو. كما يتعين على البلدان التي تعاني من "العجز المرتفع والتنافسية المتدنية" في أطراف منطقة اليورو، أن تواجه مشاكلها بشكل مباشر، حيث ينبغي أن تستمر في اتخاذ خطوات صعبة من أجل تقليص إنفاقها، وزيادة عائداتها، والخضوع لإصلاح هيكلي حتى تصبح أكثر تنافسية. وعلى هذا الأساس، فإن المملكة المتحدة ترحب بفرصة بحث خيارات جديدة للنشاط النقدي على مستوى أوروبي، وذلك، على سبيل المثال، من خلال فكرة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بخصوص إصدار سندات يورو. التحدي الثاني يتمثل في إيجاد إجراءات وتدابير الحكامة المناسبة من أجل خلق الثقة في المستقبل. وفي رأينا أن بلدان منطقة اليورو في حاجة إلى اتباع منطق الاتحاد النقدي حتى تصل إلى حلول تؤدي إلى أشكال أكبر من الدعم الجماعي والمسؤولية التضامنية، والتي تعد سندات اليورو نموذجاً واحداً ممكناً لها. أما التحدي الثالث، فيكمن في التدابير القمينة بمعالجة مشكلة الإنتاجية المنخفضة في أوروبا عموماً، وقلة الدينامية الاقتصادية فيها أيضاً، وذلك بصفة خاصة من خلال تطبيق مبادرات تحدد من قبل الدول الأعضاء من أجل تشجيع سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية ودفعها للتركيز على النمو أكثر فأكثر. أما في ما يتعلق بالاقتصاد العالمي، فقد كان رئيس الوزراء كامرون واضحاً خلال قمة مجموعة الثمانية التي انعقدت في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأميركية الأسبوع الماضي، وذلك بشأن اعتزامه الدفاع عن كل ما فيه خير لبريطانيا. وهذا يعني اعتماد إصلاحات اقتصادية من أجل دعم النمو في الاقتصاد العالمي، ويشمل ذلك العمل مع صندوق النقد الدولي، وتطبيق معايير تنظيمية مالية عالمية وذات جودة عالية، والتعاطي مع الأخطار التي تواجه جهود استعادة العافية الاقتصادية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتقلبها، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن القومي للمملكة المتحدة في مجال الطاقة، وإزالة الحواجز التي تعيق نمو التجارة العالمية، من خلال سلسلة من اتفاقات التجارة الحرة الطموحة، على سبيل المثال. على أن البلدان الراغبة يمكنها أن تواصل اتفاقات طموحة خاصة بها وأن تساعد على محاربة الحمائية التجارية بكل أشكالها. ومما لا شك فيه أن قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في "لوس كابوس" بالمكسيك خلال شهر يونيو القادم، ستشكل مناسبة جيدة لتقييم الحصيلة ومواصلة الدفع بهذه الأجندة الهامة إلى الأمام. وإذا كانت كل من المملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة تسيران على طريقين اقتصاديين مختلفين داخل"اتحاديهما"، فإنني أعتقد أن ثمة الكثير مما يمكن للبلدين تقاسمه من حيث الأفكار والتجارب. دومينيك جيرمي - أبوظبي سفير المملكة المتحدة في الإمارات العربية المتحدة