الدعوة لاتحاد خليجي مازالت تواجه بعض الصعاب في الوقت الذي تزداد فيه التحديات، سواء في الإقليم الخليجي أو في المحيط العربي الذي يشهد تغيرات سريعة تقابلها خطوات بطيئة من قبل بعض نظم الحكم. وعلى أرض الواقع هناك تغير في ميزان القوة في الإقليم الخليجي، حيث غاب العراق وتعثر في طريقه نحو بناء الدولة الحديثة، إضافة إلى ظهور سطوة الانقسامات الدينية. ولعل أحد أسباب ذلك وتجلياته في آن معاً اندفاع إيران نحو فرض هيمنتها على الإقليم الخليجي عبر وسائل مذهبية أحياناً وسياسية أحياناً أخرى مثل معاداة الصهيونية والإمبريالية العالمية، وغيرها من شعارات براجماتية عادة ما تميز السياسة الإيرانية. لقد عرفت إيران بالبرجماتية وهي تخوض مواجهات عنيفة غير مبالية بعواقبها، لمعرفتها بطبيعة المتغيرات العالمية التي تحول دون فعل رادع يوقف تمددها. الاتحاد الخليجي نعتبره تطوراً طبيعياً لواقع التجانس الاقتصادي والاجتماعي بين دول الخليج العربي من جانب، ومن جانب آخر فهو تجسيد لضرورة التحرك نحو بلورة قوة اقتصادية إقليمية تفرض سياساتها الهادفة إلى بناء مؤسسات حديثة تنهض على أساسها المنظومة الخليجية. إن المصارحة في مثل هذه الظروف مطلوبة، فالمنطقة تواجه تغيرات قادمة أفرزتها هجمات الحادي عشر من سبتمبر ثم "الربيع العربي"، وهنا نذكر بأن هجمات سبتمبر أظهرت لنا حقائق مهمة، منها التهديد الذي تمثله الحركات الجهادية في العالم الإسلامي، والذي أوجد إجماعاً عالمياً على مواجهة الحركات الدينية العنيفة. وقد رأى البعض في الغرب أن المواجهة تتطلب رسم تصورات جديدة للمنطقة، مما يعني أن هناك تحديات كبيرة تحتاج إلى خطوات مدروسة تخرج عن دائرة الحياء السياسي أو كهولة القرار. لقد استندت صيغة مجلس التعاون الخليجي إلى الظرف الأمني ولم تتطور نحو مشروع اقتصادي واجتماعي، وهذا ما يدعونا لتجنب تكرار الخطأ في بلورة مشروع الاتحاد الخليجي الذي جاء بدعوة سعودية ومساندة بحرينية نتيجة للإستفزازات الإيرانية من جانب، وقلاقل "الربيع العربي" من جانب آخر. ومما ينبغي استيعابه في هذا الخصوص حقيقة أن التغيير لا يمكن صده بأدوات تقليدية، مما يفرض تغير العلاقة بين السلطة والمجتمع. فالتغير المطلوب ينبغي أن لا يكون شكلياً بقدر ما ينبغي أن يتأسس على علاقة متوازنة بين المواطن الخليجي ودولته التي تحكم بقوة القانون والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص. وبتصحيح العلاقة بين المواطن الخليجي ودولته تتحقق المصلحة المشركة، لاسيما أن نظم الحكم تقوم على التعاقد الاجتماعي وتحظى بقاعدة شعبية، بل إن وجودها يشكل صمام أمن وأمان لدول المنطقة. الاتحاد الخليجي مشروع استراتيجي يوفر الأمن للإقليم، ويضيق على الرغبة التوسعية الإيرانية، ويتطلب رؤية تخرج عن كهولة التفكير السائدة في دول المنطقة، وتدفع نحو علاقة متوازنة بين المواطن الخليجي ودولته لكي ننأى بالمنطقة عن شبح الصراعات الداخلية. كما ينبغي أن نستوعب أن لكل مرحلة ظروفها، فظروف الأمس ليست ظروف اليوم، وعليه فالتغيير ينبغي أن يشمل طبيعة توزيع الثروة وانتهاج سياسة لمكافحة الفساد.