عندما وضع ستيفن كوفي كتابه الشهير "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" كان يُشعل تلك الشرارة المطلوبة لجعل المجتمع الأميركي تحديداً أكثر إيجابية وإنتاجية، فقد رأى أن هناك مساحاتٍ لا زالت تحتاج إلى رأب صدعها وأموراً على رغم سلامتها إلا أنّ هناك ما هو أفضل منها وأكثر تأثيراً وأعلى فعالية، فخرج بسبع عادات تنسحب على الفرد كما تنسحب على الجماعة هي في رأيه الأكثر أهمية والأولى بالتركيز عليها، ولا زالت طبعات الكتاب المتتالية تنبئ عن النجاح الكبير لمنظومة العادات هذه والقبول الكبير لها في أنحاء المجتمعات الباحثة عن النجاح. وأولى العادات السبع -عند ستيفن- هي "كن مبادراً" وهي دعوة للمبادرة والتشجيع لأخذ فضيلة السبق في الأمور وأن نكون كمواطنين مسارعين لاغتنام الفرص التي من شأنها أن تضعنا على سلم النجاح وتضيف لبلادنا رصيداً تستحقه من الإنتاجية ورد الجميل، بدلاً من التقوقع الدائم على النفس والاكتفاء بردود الأفعال التي يصبح الإنسان بها أشبه بألعاب الأطفال التي تُحرّك بـ"الريموت كونترول" لذلك يفتقد الخَلق والابتكار! ثم تأتي العادة الثانية: "ابدأ والغاية في بالك"، فما يُفترض أن يُحرّك المواطن للخروج من سلبيته ليس توبيخاً أو أمراً أو حتى توسلاً، بل لابد أن يأتي ذلك من الداخل ومن إيمانٍ باطني بأهمية الخروج من شرنقة التقوقع على النفس ووضع غايةٍ يسعى لتحقيقها شريطة أن تكون متسقة مع أهداف المجتمع ككل حتى لا يكون ذلك خروجاً عن النص أو قفزاً من دوامة التقوقع إلى دوامة العزف النشاز، فالبحث هنا عن حياةٍ قائمة على أهدافٍ وغاياتٍ محفزة وليس حياة مبنية على الصدفة والبركة، وبدلاً من أن نسمع جُملاً لا مسؤولة مثل: "طنش تعش" أو "عيّن خير وباكر يحلّها ألف حلال" نريد جيلاً يمتلك روح التحدّي والرغبة في الخروج على "التابو" السلبي، جيلاً لا ينتظر سفينة الأحلام لكي ترسو على الشاطئ الآمن بل يبادر للسباحة باتجاهها فالفرص لا تقرع الأبواب والمنجزات لا تتحقق لمن ليس بمقدوره وضع غاية كبرى يسعى لتحقيقها! وحيث إنّ الفوضوية في التعامل مع الأمور والأهداف المبتغاة لن تذهب بصاحبها إلا إلى مزيدٍ من التخبط والعبثية أتت العادة الثالثة وهي: "ضع أول الأمور أولاً"، فما كان طارئاً ليس بالضرورة أن يكون مهماً، فالرد على زملائك في التويتر أو البلاكبيري لمجرد أن ضوء هاتفك لا يتوقف عن الرنين ليس بأولى من إنجاز معاملة العميل الذي يقف أمامك، وما كان مهماً ليس بالضرورة أن يكون طارئاً، فقضاؤك لساعات عمل طويلة في ملء استمارات مقاييس الأداء وخطة التطوير المهني الشخصي يمكن تأجيلها لوقت آخر وتكريس هذه الساعات لإنجاز أمور مهمة وطارئة في ذات الوقت كالسعي للوفاء بمواعيد تسليم مشاريع تخدم المجتمع أو تقديم خدمات لا تقبل التأجيل، ولذا يكون من المهم ترتيب هذه الأهداف وتنظيم أولويات البرنامج اليومي حتى لا تضيع الساعات في أمور غير ذات بال! العادة الرابعة هي "منهجية الربحية المتبادلة" وهي نقيض ما نسمعه أحياناً في مجتمعنا الإماراتي من تلك المقولة اللامسؤولة: "إذا سلمت أنا وناقتي ما عليّ من رفاقتي"! فبأي منطق يكون هذا التقديس للمصلحة الفردية وكأن المرء بمعزل عن الآخرين أو كأن صالحه لابد أن يكون مناقضاً لصالح مجتمعه، فهي متلازمة غير منطقية، بل لابد أن تذوب (الأنا) في قالب (نحن) لأن الكيان الأكبر أولى بالمحافظة عليه من الكيانات الفردية، والمصلحة العامة للمجتمع أهم من مصلحة فرد واحد أو اثنين، ومن تأمل جيداً سيرى أن المصلحة التي تعود على المجتمع ككل تنسحب خيريتها ونفعيتها على كافة أفراده، فأمن المجتمع أمنٌ لأفراده ورخاء الكل رخاءٌ لجميع من يندرج تحته. خامسة العادات: "حاول أن تَفهم أولاً قبل أن تُطالب بأن تُفهَم"، فنحن للأسف أصبحنا نقفز من أول جملة نسمعها من شخص لنصدر أحكاماً مجحفة وفق نظرية "الإطار الذهني الجاهز"، فأغلبنا لا يستطيع الصبر حتى يُكمل الآخرون حديثهم بل نعشق المقاطعة وتحوير النقاش وليّ أعناق الكلمات لتقريع الطرف الآخر، تماماً كبرامج الحوار المباشرة والتي يعلو فيها الصراخ ويغيب العقل ليخرج علينا مقدم البرنامج مبتسماً ليقول: أعزائي المشاهدين لا تذهبوا بعيداً، فاصل ونواصل! سادسة العادات هي "التكاتف مع الآخرين"، فأيام البطل الأوحد قد رحلت، ومن واجبنا أن نُعلي شأن العمل الجماعي لتحقيق ما تطمح إليه الدولة، فناتج الفرد لا يُقارن إطلاقاً بناتج المجموعة الأكبر، وذلك ما كان ديدن المغفور له بإذن الله تعالى زايد الخير الذي قضى سنين في لمّ شمل القبائل المتنافرة وجمع القلوب والعقول والأيادي لتكون معاً من أجل مستقبلٍ أجمل ووطنٍ أقوى ومجتمعٍ أعلى إنتاجية، حتى اختياره للاسم حفظ به قدر الآخرين وجعلهم في ذات الوزن وذات الأهمية دون تغييبٍ لأحد فكان الاسم: دولة الإمارات العربية المتحدة. ولأن المجتمعات التي لا تتطور تضمحل وتتلاشى إن آجلاً أو عاجلاً فمن المهم كمواطنين أن نسعى بصورة دائمة لتطوير قدراتنا الفكرية والعملية لنساهم في استمرار ازدهار دولتنا وتقوية أعمدة نجاحها دولةٍ حديثة تسابق الزمن لتكون ضمن دول النُخبة، وذلك ما عناه ستيفن كوفي بآخر العادات السبع: "اشحذ المنشار"، بمعنى أن نستمر في تحسين قدراتنا كمبادرةٍ منا وإيمان بأهمية ذلك واستغلال للفرص الكثيرة التي توفرها الحكومة الرشيدة لأبنائها من أجل المساهمة في بناء هذا الوطن بصورة أكثر فعالية، وأن ننظر للعالم بصورة إيجابية مبتعدة عن السوداوية والاتكالية واستمراء التذمّر والشكوى، فالناجح يبحث عن الحل دائماً عندما ينشغل الفاشل بالتشكّي من معضلةٍ ما. وما يهمني في الختام أن أسألك أيها القارئ الكريم: هل ستبادر من هذه اللحظة بتطبيق هذه العادات من أجل تغيير كبير في حياتك ومجتمعك أم ستكتفي بالقراءة ثم قلب الصفحة؟