لم تكن المرة الأولى التي تقترح فيها المملكة العربية السعودية إقامة وحدة خليجية فقد التقى قادة دول مجلس التعاون الخليجي الست خلال القمة التشاورية التي عقدت بالرياض الاثنين الماضي لبحث دعوة العاهل السعودي لتوحيد دول المجلس، وكانت قد سبقتها دعوة مشابهة في ختام قمة دول مجلس التعاون في 20 ديسمبر 2011 حيث دعا العاهل السعودي دول الخليج إلى الاتحاد في كيان واحد، بدلاً من التعاون عبر المؤسسات القائمة. وترتكز الرؤية السعودية للاتحاد الخليجي على إنشاء كيان جديد لاتخاذ القرار يكون مقره الرياض يحل محل أمانة مجلس التعاون الخليجي، يستند على تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري وثيق بين الدول الست، ولكن دول المجلس لم تتمكن بعد من الاتفاق على مزيد من خطط التكامل. ومن المقرر أن تستأنف المحادثات بهذا الشأن في وقت لاحق هذا العام. لقد كانت ولادة مجلس التعاون الخليجي قبل 31 عاماً على صوت الثورة والحرب، فكانت هوية المجلس غامضة عند التأسيس، وما زالت إلى اليوم، فتعددت المقولات والتعريفات المتعلقة بالمجلس، فالميثاق لم يعرف المجلس تعريفاً دقيقاً، وكذلك هي العموميات التي شملتها أهدافه، فهل هو منظمة إقليمية؟ أم حلف عسكري؟ أم إطار للتعاون السياسي والتنسيق الأمني؟. لقد أثرت هذه الصورة غير المحددة بدقة للمجلس على فعاليته عبر العقود الثلاثة الماضية، فظروف نشأة المجلس أعاقت تطوره، فالصيغة الأمنية التي نشأ عليها ظلت مهيمنة على علاقات دول المجلس مع بعضها بعضاً، صحيح أن فكرة الاتحاد هي فكرة متطورة للتعاون الخليجي ولكن هل آن الأوان فعلاً لأن ينتقل المجلس لهذه المرحلة المتقدمة؟ من الواضح أن تشكيل كيان وحدوي سواء بدأ بعضوين أو ثلاثة من أصل الدول الست الأعضاء في المجلس هدفة أمني بالأساس، فلطالما كان المجلس أكثر فاعلية في أوقات الأزمات، وتتلاشى وحدة المواقف في أوقات الهدنة. لقد أعطى المجلس الأولوية للأمن، ونجح في ذلك، فخطط التكامل المطروحة اليوم ينبغي أن ترتكز على هذه الحقيقة قبل غيرها. فعلى الدوام ظلت التحديات الأمنية تلقي بظلالها على دول المجلس، فدول المجلس مجتمعة غيبت وغابت من معادلة توازنات القوى في المنطقة، فالوحدة الخليجية من وجهة نظر أمنية ستمكنها من توحيد جهودها الأمنية والعسكرية. فالتجربة أثبتت أن إيران تراهن دائماً في سياساتها مع دول الخليج العربية على تناقض مواقف وإشارات الدول الخليجية، فالنفوذ الإيراني يتسع ويتمدد اعتماداً على اختلاف المواقف السياسية إن لم يكن على تناقضها، وبالتالي فالوحدة الخليجية من شأنها أن توازن الهيمنة الإيرانية على منطقة الخليج والمنطقة العربية. ولكن هذا الطرح أمني بحت يتجاهل أن التجارب الاتحادية الناجحة تعتمد في استمراريتها على جملة عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية بالإضافة إلى الأمنية والعسكرية وقبل كل ذلك الدعم الشعبي للوحدة أياً كانت صيغتها كونفدرالية أم فيدرالية أو ثنائية أم أكثر. اليوم يمر مجلس التعاون بظروف مختلفة، فدول المجلس تحرص على إظهار الاستقلالية السياسية تجاه القضايا السياسية بما فيها الملفات الخليجية المطروحة على المجلس، التي لم تعد تحظى بنفس القدر من الإجماع كما كان الأمر في السابق، فهي تبدو أقل انسجاماً، وغير قادرة على إخفاء الخلافات وتحديد الأولويات، ويتجلى ذلك في مشروع الاتحاد الخليجي الذي طرح والذي تم إرجاؤه للمزيد من الدراسة، وهنالك تباين في الرؤى السياسية لدول المجلس انعكس على إمكانية بلورة رؤية موحدة وتصور مشترك لمشروع الاتحاد. صحيح أن هذا التباين لم ينعكس على الإجماع الخليجي، وأن المجلس ما زال يستخدم آلية أقرب للحلول الوسط، ولكن ثمة إشكالية في حالة تأثير هذه السياسات الفردية على الكيان العام للمجلس، سواء نتيجة إمعان بعض الأطراف في تبني توجهات معينة كوسيلة للضغط على دول المجلس، أو لتناقض هذه التوجهات أو تلك مع الرؤية العامة لمجلس التعاون، بحيث يصعب التوصل إلى صيغة وسط.