قبل ثلاثين عاماً ارتضى النظام الأساسي في مجلس التعاون الخليجي أن هدف إنشائه هو تحقيق الوحدة بين الدول الست. واليوم يكون المجلس قد تأخر ثلاثه عقود عن الإقرار بضرورة الاتحاد وجدواه وأهميته الاستراتيجية. دافع الاتحاد اليوم هو محاولة بناء سياج يحمي الدول الست بمقدراتها البترولية الهائلة التي جعلت منها هدفاً لمطامع استعمارية لانهائية سواء أكانت بالاستعمار بشكله التقليدي الذي تخلصت منه دول المنطقة العربية منذ خمسينيات القرن الماضي، أو الاستعمار الجديد الذي تضع فيه الدول المستعمرة مطامعها، وتستغل فرص السيطرة يأتي وسيلة كانت مطبقة لسايكس- بيكو، وهذا الأمر في نهايته ينذر بأن المخاوف مستمرة، ومن حسن التدبير اللجوء للأخوة والتعاضد باتحاد يحمي مصالح الدول الخليجية. فدول الخليج مهددة منذ زمن طويل، ولديها العديد من المخاوف. ولعل غضب إيران من فكرة الاتحاد الخليجي وإعلان رفضها بالتظاهر والتصريحات الخالية من أي لهجة دبلوماسية يجعل تفعيل الاتحاد وتسريع خطواته حاجه ملحة. فهل يحق لجارة مسلمة لها مصالحها الاقتصادية مع دول الجوار أن ينتابها كل هذا الغضب لو لم يكن لها هي الأخرى مطامعها السياسية التي تكرس فيها اتفاقية أشبه بسايكس- بيكو التي أقرت خلال القرن الماضي تقسيم المنطقة العربية حسب مصالح الدول الاستعمارية. وكأن إيران نصبت نفسها مدافعاً عن نظرة استعمارية محضة اعتدنا أن نسمعها ونشتم حريقها في لغة الغرب المتعالي والطامع في كنوز أرض الخليج، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي. وثمة تساؤلات تطرح نفسها: كيف ترفض دولة مسلمة اتحاد دول مسلمة أخرى؟ أليس اتحاد الأمة ووحدتها حلماً يحلم المسلم بتحقيقه؟ وهل كانت إيران فعلاً الجار المسلم الذي كان نعم السند في أشد الحالات سوءاً؟ وهل يحق لإيران أو لغيرها الاعتراض على اتحاد له مساس أولاً وأخيراً بمصالح دول لها نظرة مستقبلية تسعى من خلالها إلى الوصول إلى حالة من التعاون الذي يغنيها عن الاستعانة بغيرها، ممن أطال استغلالها لعقود طويله مضت؟ تأخرت طويلاً هذه الخطوة، ولكن يكفي أنها جاءت أخيراً، وحان وقت النظر إلى مدى بعيد يخص أجيالاً قادمة، ترغب في الاتحاد، وتدافع عنه مثلما فعلنا نحن جيل اتحاد الإمارات، الدولة العربية التي نجحت في تحقيق تجربة متفردة من نوعها وحافظت عليها، وصار اتحاد دولتنا مرتبطاً بأسمائنا وأحلامنا وكل حياتنا. هذه الحال هو ما ستكون عليه الأجيال القادمة، فلن يكون اتحاد الإمارات المثال الوحيد، بل سيتعداه إلى ما هو أوسع من ذلك. مباركة هذه المساعى على طريق الاتحاد الخليجي، ومباركة تلك الجهود التي تسير في اتجاهه، وليصرخ ويعترض عليها من يشاء، فأمن الوطن ومصلحته هو الأول والآخر في اعتبارنا ولاشئ آخر سواه.