على رغم أن الوفيات الناتجة عن مرض نقص المناعة المكتسب، أو الإيدز، قد انخفضت بمقدار 400 ألف وفاة ما بين عامي 2005 و 2010، بحيث أصبحت 1,8 مليون عام 2010 مقارنة بـ2,2 مليون عام 2005 حسب التقديرات الأخيرة لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز، إلا أن هذا التطور الإيجابي لا يمكنه أن يبرر التخاذل والتكاسل المتزايدين في مواجهة هذا المرض، كونه لا يزال يحتل مرتبة متقدمة على قائمة قتلة أفراد الجنس البشري من الأمراض المعدية، ضمن ما يعرف بمحور الشر الطبي، الذي يشمل أيضاً طفيلي الملاريا وميكروب السل. وهذا التخاذل يتضح بشكل جلي على الصعيدين البحثي، والإعلامي، على وجه الخصوص. فعلى الجانب البحثي، وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف، شهد التمويل الدولي للأبحاث المتعلقة بالإيدز مؤخراً تراجعاً ملحوظاً في حجمه، بمقدار مليار دولار سنويّاً تقريباً، من 8,7 مليار سابقاً إلى 7,6 مليار حالياً. وهو ما حدا بالصندوق الدولي لمكافحة الإيدز، والسل، والملاريا (The Global Fund to Fight Aids, Tuberculosis and Malaria)، المسؤول عن توزيع الأموال التي تهبها الحكومات المختلفة وبقية الجهات المانحة، للإعلان نهاية العام الماضي أنه لن يكن في مقدوره تخصيص أية منح بحثية جديدة للجامعات والمراكز العلمية حتى عام 2014. وعزا مسؤولو الصندوق هذا الوضع إلى المصاعب الاقتصادية والأزمة المالية، وخصوصاً عجز الموازنة، التي تواجهها اقتصادات العديد من الدول المانحة. أما على الصعيد الإعلامي، فتتضح فداحة هذا التخاذل من مقدار التغطية، وحجم المساحة، التي أصبحت وسائل الإعلام على مختلف أطيافها تخصصهما حاليّاً لأخبار الإيدز. حيث يرى بعض العاملين في تلك الوسائل الإعلامية أن الإيدز أصبح خبراً قديماً مستهلكاً، على رغم أنه لا يزال مرضاً يقتل 1,8 مليون شخص سنويّاً. ويمكن إدراك مدى تراجع الاهتمام الإعلامي بالإيدز من خبرين متعلقين بهذا المرض، صدرا خلال الأسبوع الماضي، ولم يحظيا بقدر مناسب من الاهتمام، على رغم أنهما قد يشكلان تحولاً فارقاً في رحلة الجنس البشري مع هذا المرض والفيروس المسبب له. الخبر الأول يتعلق بموافقة هيئة من الأطباء والعلماء الأميركيين على عقار خاص، يمكنه أن يحقق وقاية ضد الإصابة بفيروس الإيدز بين الأشخاص الأصحاء. فعلى رغم توافر عدة عقاقير منذ سنوات، يمكنها أن تخفف من تأثير الفيروس على جهاز المناعة، وأن تؤخر أو تبطئ من ظهور العلامات والأعراض الكاملة للمرض، وهو ما أدى لارتفاع ملحوظ في متوسط العمر بعد الإصابة مقارنة بالوضع قبل بضعة عقود، إلا أن التخلص من الفيروس بشكل نهائي، أوتحقيق الوقاية ضد العدوى من الأساس، لا يزالان حلمين بعيدي المنال في ظل عدم توافر تطعيم فعال حاليّاً. وهذا ربما يجعل خبر الموافقة على هذا العقار نقطة فارقة في الجهود الرامية نحو الوقاية من العدوى، وبالتحديد بين الأشخاص المعرضين بقدر أعظم للإصابة بالفيروس، في ظل كون الدراسات والأبحاث قد أظهرت قدرة العقار الجديد على خفض احتمالات الإصابة بنسبة تراوحت ما بين 44 إلى 73 في المئة بين المتزوجين من زوجات وأزواج مصابين بالفيروس. ولكن على رغم موافقة الهيئة العلمية بأغلبية 19 صوتاً مقابل 3 أصوات، إلا أن هذا العقار لا يزال يحتاج إلى موافقة هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية، وهي الموافقة التي قد لا تمنح في النهاية، في ظل المخاوف المتعلقة باستخدامه على نطاق واسع، وخصوصاً تلك المتعلقة بضرورة تناول العقار بشكل يومي صارم. ففي ظل كون الغالبية العظمى من المرضى بفيروس الإيدز، أو غيره من الأمراض، نادراً جداً ما يلتزمون بنسبة 100 في المئة بتناول أدويتهم اليومية، يحمل هذا الاحتمال خطر فقدان العقار لفعاليته في حماية المريض، إذا ما سهى عن تناول دوائه في أحد الأيام، أو أن الاستخدام العشوائي غير الملتزم قد يؤدي إلى تولد مناعة للفيروس ضد العقار، مما يفقده فعاليته لدى المريض، ثم لدى بقية المرضى. وإن كان الخطر الأكبر الذي يحمله هذا العقار، أو فكرة الاعتماد على العقاقير في الوقاية من الإصابة بالإيدز بوجه عام، هو تولد إحساس زائف بالأمان، يقوض ضرورة الاعتماد على تغيير السلوك الجنسي، وأخذ الاحتياطات اللازمة، مما قد يدفع البعض لممارسات جنسية خطرة، تؤدي حتماً في النهاية إلى إصابتهم بالعدوى. أما الخبر الآخر المرتبط بالإيدز، والذي صدر أيضاً قبل بضعة أيام، فيتعلق بفحص طبي منزلي، يمكن للمريض إجراؤه في خصوصية تامة، ويمنح دقة في الكشف على وقوع الإصابة بدقة تبلغ 93 في المئة، وعلى عدم الإصابة بدقة تبلغ 99,8 في المئة. هذا الفحص الذي يستغرق عشرين دقيقة فقط، حصل أيضاً على دعم وتأييد هيئة من العلماء، في ظل قدرته على منع انتشار العدوى بين أفراد المجتمع، بناء على أن العديد من حالات انتقال العدوى تحدث من أشخاص لا يدركون إصابتهم بالفيروس من الأساس. وإذا ما أضفنا هذا الخبر إلى الخبر الأول، نجد أن جهود مكافحة الإيدز قد خطت خطوتين مهمتين على طريق الوقاية ومنع انتشار الفيروس، وإن كانت هذه الجهود قد يجهضها تناقص ميزانيات البحث العلمي المخصصة لمكافحة وعلاج هذا المرض، وتراجع الاهتمام الإعلامي بوباء لا يزال يهدد الجنس البشري بالفناء.