في الوقت الذي تدعو الولايات المتحدة حلف شمال الأطلسي لعقد قمته في شيكاجو نهاية الأسبوع الجاري، لا أستطيع سوى التفكير في النساء الأفغانيات، لا سيما وأن الربيع الحالي يسجل الذكرى العاشرة لعودة الفتيات الأفغانيات إلى قاعة الدرس، وهو الحق الذي كان محجوباً عنهن خلال فترة "طالبان"، حيث لم يكن باستطاعة النساء العمل خارج البيت حتى في الحالات التي يكن فيها المعيلات الوحيدات للأسرة، وتحت حكم "طالبان" كان القانون واضحاً بأنه على النساء ألا يُشاهدن، أو يُسمعن خارج بيوتهن، وبسبب هذه السلوكيات والسياسات المناهضة للمرأة وصل الوضع في أفغانستان خلال 2002 إلى مرحلة الكارثة بعدما دخلت البلاد في أتون أزمة إنسانية خانقة جعلت أكثر من 70 في المئة من السكان يعانون من سوء التغذية، و25 في المئة من الأطفال كانوا يموتون قبل سن الخامسة، وبعد عقد من الحرب المتواصلة مع الاتحاد السوفييتي ثم صعود "طالبان" بعد ذلك ظلت البنية التحتية لأفغانستان في حالة يرثى لها مع غياب الطرقات والمدارس، أما في المناطق الريفية التي تمثل أغلبية البلاد كانت أبسط الخدمات مثل المياه والكهرباء معدومة. لكن أفغانستان بدأت تتغير، وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة تحقق الكثير من التقدم، فقد بُنيت أزيد من أربعة آلاف مدرسة، ودخل قاعات الدرس حوالي مائة ألف مدرس، واليوم باتت نسبة الفتيات اللواتي يتوجهن إلى المدرسة 37 في المئة من إجمالي الأطفال المتمدرسين البالغ عددهم سبعة ملايين طفل مقارنة بحوالي 900 ألف خلال حكم "طالبان" تخلو منهم الفتيات. والأمر لم يقتصر على الأطفال فقط، بل امتد التعليم إلى البالغين أيضاً، حيث يلتحق بالجامعات الأفغانية أكثر من 62 ألف طالب، يضاف إليها الجامعة الأميركية التي افتتحت عام 2006 بعدد طلاب لا يتعدى 50 طالباً ليصل عددهم اليوم إلى 1700 طالب، وحتى حدود الخريف الماضي حصل ما لا يقل عن 52 طالباً أفغانياً على منح دراسية لنيل شهادتهم من الولايات المتحدة، كما أن العديد من البرامج الخاصة التي تمولها منظمات ومؤسسات خيرية، ساهمت في نقل أفغانستان من حالتها السابقة إلى وضعها المتميز حالياً، ومن تلك المنظمات الخاصة التي تجازف بسلامة موظفيها وأموالها لتحسين أوضاع الشعب الأفغاني تبرز منظمة "أرزو ستوديو" التي تتخذ من شيكاجو مقراً لها، حيث تعمل منذ إنشائها في 2006 على مساعدة النساء الأفغانيات وتوظيفهن في مجال نسج الزرابي، والمنظمة التي يعني اسمها الأمل، تساعد النساء على إيجاد عمل يناسبهن بعد إخضاعهن للتدريب، كما توفر لهن خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والوصول إلى المياه النظيفة، وذلك انطلاقاً من مسلمة بديهية تقول إنه عندما تكون صحة النساء وسلامتهن مضمونة، تكون صحة الأطفال والعائلة مكفولة أيضاً، بيد أن هذا التقدم في حياة الأفغانيات والتطور الذي حققنه على مدار السنوات الماضية معرض للانتكاس في ظل بعض التفسيرات الدينية والفتاوى، التي تحد من حرية المرأة وتضيق عليها، ففي شهر مارس الماضي أصدر مجلس العلماء باعتباره الهيئة الاستشارية للرئيس الأفغاني فتاوى تشجع على العودة إلى عهد "طالبان" بما فيها السماح للرجال بضرب زوجاتهم، ومنع النساء من السفر في غياب رجل من العائلة، وفي ظل هذه الأجواء من الطبيعي أن تشعر النساء بالخوف وباحتمال فقدان كل المكاسب التي تحققت في العقد الأخير. ففي الخريف الماضي، تلقيت رسالة من امرأة أفغانية تعدد النجاحات التي تحققت مثل رجوع اللاجئين إلى بيوتهم والتحاق الفتيات بالمدارس وخروج النساء للعمل والمشاركة في الحياة العامة واسترجاع المزارعين لأراضيهم، لكنها أضافت أيضاً "رغم كل الانتصارات التي تحققت أخشى من فقدان كل ذلك، لا سيما مع احتمال عودة طالبان"... هذه الانتصارات التي تحدثت عنها السيدة الأفغانية ما كانت لترى النور لولا التضحيات التي بذلتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهو أمر يستحق الثناء لكن لا بد من استمراره في ظل تغيير "الناتو" لمهامه في أفغانستان، بحيث يتعين على العالم ألا ينسى النساء الأفغانيات، وقد رأينا كيف تدخل المجتمع الدولي عام 2001 لوقف الفظائع التي عانت منها النساء الأفغانيات، وكيف شارك في هذا الجهد الطيب منظمات حكومية وأخرى غير حكومية لبعث رسالة واضحة إلى القيادة الأفغانية بأن أي مساعدة هي مربوطة بمدى تحسين ظروف النساء وحمايتهن. وإذا كنا اليوم حريصين على حماية ما تحقق من تقدم وإدامة الاستثمارات الكبيرة في مجالات التعليم والصحة وغيرها، يجب على الحكومة الأفغانية الإصرار على حقوق المرأة وعدم التضحية بها في أية مفاوضات مع أطراف سياسية، لذا يتعين أيضاً على المجتمعين في قمة "الناتو" التأكيد على أن فرص التعاون والاستمرار في تقديم المساعدات الإنسانية وغيرها لن يتواصل إذا ما استمر التعامل مع النساء كما لو أنهن ورقة للتفاوض، فبعدما جربنا ثمن التخلي عن مطالب حماية حقوق الإنسان في أفغانستان والوضع الذي آلت إليه الأمور تحت حكم طالبان، يتعين على المجتمع الدولي توخي أعلى درجات اليقظة وعدم التفريط في مكتسبات المرأة الأفغانية. لورا بوش الرئيس الشرفي لمجلس المرأة الأميركي- الأفغاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"