في الشهر الماضي، وفي قرية "كوابادا" البنجالية الفقيرة احتفلت طفلة صغيرة خجولة اسمها "مرشدة" بعيد ميلادها الخامس بارتداء فستان أحمر جديد. وبهذه المناسبة، رقصت مرشدة وغنت مع غيرها من الأطفال وأفراد عائلتها، واستمتعت بأكل حلوى محلية مصنوعة من الأرز والسكر. ولكن الشيء الذي يؤسف له أن العديد من الأطفال في البلدان الفقيرة الواقعة في مختلف أنحاء العالم، لن يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة حتى عيد ميلادهم الخامس، كي يحتفلوا به، كما فعلت"مرشدة". ففي كل عام يتوفى حسب إحصائيات المنظمات الدولية المتخصصة، ما يقرب من 7.6 مليون طفل قبل بلوغهم العام الخامس من عمرهم، بفعل أمراض وأسباب كان من الممكن الوقاية منها. ومما يزيد الأمر سوءاً فقر التغذية المزمن، ونقص الطعام التي يعاني منهما هؤلاء الأطفال وعائلاتهم. وقد قامت منظمة المعونة الأميركية USAID بتدشين حملة عامة أطلقت عليها مسمى"كل طفل يستحق عيد ميلاد خامس"، للمساعدة على رفع مستوى الوعي، وتجنب وفيات الأطفال التي يمكن تجنبها. ومن المتوقع أن يدخل هذا الموضوع دائرة الضوء العالمية هذا الشهر عندما يجتمع قادة العالم في قمة الدول الثماني العظمى المزمع عقدها في كامب ديفيد بالولايات المتحدة. وللوصول لحلول لهذه المشكلة، يجب على الحكومات وقادة قطاع التنمية، الاهتمام بالدروس التي يقدمها برنامج ضخم ومبتكر في الوقت ذاته، لا يساعد أطفال مثل"مرشدة"على الوصول إلى عيد ميلادهم الخامس فحسب، ولكنه يضمن أيضاً أنهم سينمون بشكل أكثر صحياً- وأكثر طولًا - في بعض الأحيان. هذا البرنامج اسمه"شوهاردو" Shouhardo - كلمة تعني باللغة البنجالية" الصداقة"- وتشرف على إدارته مؤسسة "كير" العالمية للمساعدات الإنسانية، ومحاربة الفقر، وهيئة المعونة الأميركية، والحكومة البنجالية. والمرحلة الأولى منه نفذت خلال الفترة من 2004- 2010 ، مثلت أكبر برنامج (غير مصنف على أنه برنامج للطوارئ) للأمن الغذائي تقوم به هيئة المعونة الأميركية، في العالم. نتائج هذا البرنامج كانت مذهلة: فعلى مدار السنوات الأربع الأخيرة، انخفضت نسبة الأطفال الذين يعانون من قصور النمو بسبب سوء التغذية بنسبة 28 في المئة، على الرغم من الكوارث الطبيعية والارتفاعات الكبيرة في أسعار المواد الغذائية. وتلك النسبة تمثل ضعف النسبة، التي حققتها مشروعات مساعدات أخرى ممولة أميركية، تعمل في بنجلاديش. ومشروع"شوهاردو" يعتبر واحداً من أكبر مشروعات المساعدات الغذائية في العالم من ناحية التكامل والشمولية. فهناك عدد محدود من المشروعات المشابهة التي تدمج في عملها بين الكفاءة الاقتصادية، والبناء، والصحة، والتوعية الغذائية، وتمكين المرأة. ومن أبرز ملامح المشروع الدمج بين التدخل المباشر(مثل منح النساء الحوامل مقادير مقننة من الطعام)، وبين التدخل غير المباشر(من خلال معالجة موضوع التمييز بين الرجل والمرأة في كافة المجالات). والطفلة "مرشدة" واحدة من بين 200 مليون إنسان، استفادوا من مشروع "شوهاردو". وأفراد عائلتها وأقاربها يطلقون عليها "طفلة التغذية" لأن أمها "حنيفة" كانت تتلقى وجبات مغذية عندما كانت لا تزال حاملاً في ابنتها، واستمر ذلك حتى بلغت السنة الثانية من عمرها. الأكثر أهمية من ذلك أن "حنيفة" شاركت بنشاط في العديد من المجموعات الصحية التي أدت إلى زيادة فهمها لحقوقها كامرأة، وزيادة مستوى وعيها بالوسائل السليمة لتربية الطفل. وتشير وثائق المشروع إلى أن تمكين المرأة قد لعب دوراً محورياً في تخفيض معدلات حالات قصور نمو الأطفال، مقارنة بالوسائل الأخرى القائمة على منح مساعدات غذائية. ونتيجة لذلك فإن أطفال النساء المُمكّنات عادة ما يكونون أكثر طولاً أثناء مراحل نموهم من نظرائهم ممن لم يستفيدوا من مزايا المشروع، أو من هؤلاء المنحدرين من أمهات لم يتم تمكينهم. السبب في ذلك بسيط للغاية: وهو أن المرأة في بنجلاديش هي التي تشرف على كافة أمور أسرتها بما فيها بالطبع العناية بالأطفال وتدبير أمورهم. وعندما تصبح هذه المرأة أكثر تمكيناً، فإنها تصبح بالتالي أكثر قدرة على التفاوض مع زوجها بشأن أنواع الغذاء التي يفضل أن تقوم الأسرة بزراعتها- إذا كانت تعمل في مجال الزراعة- أو التي تقوم بشرائها من الأسواق. وعلى مدار السنوات الماضية لاحظ الباحثون التابعون للمشروعات أن النساء المُمكّنات في بنجلاديش اعتدن إضافة أطعمة ومأكولات ذات قيمة غذائية أكبر من تلك التي كانت تلك العائلات تتناولها في السابق. زيادة على ذلك، أصبحت تلك الأسر أكثر مراعاة لقواعد الصحة والنظام، وهو ما أدى في مجمله إلى تحسن كبير في نمو الأطفال. الكفاح ضد الفقر العالمي قضية معقدة وصعبة، ولكن النجاح الذي حققه مشروع"شوهاردو"، ومقاربته الخلاقة في علاج تلك المشكلة، من خلال الدمج بين تمكين المرأة، وبين المبادرات الأخرى الخاصة بالمساعدات الغذائية، وتحسين الصحة يمكن أن يساعد الأطفال على أن يعيشوا عمراً أطول. وهو ما يعني يعني أنه بإمكاننا من خلال المبادرات الخلافة، والإدارة الفعالة، والتخطيط السليم، إحداث تغييرات جذرية- نحو الأفضل- في حياة الأسر الفقيرة. فهيم خان مدير برنامج "شوهاردو" والمسؤول بمؤسسة "كير" العالمية للمساعدة الإنسانية ومحاربة الفقر ببنجلاديش ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"