يتساءل المحللون في إسرائيل والعالم عن مغزى إقامة حكومة الوحدة الوطنية الجديدة في إسرائيل بقيادة نتنياهو، بعد دخول حزب كاديما بزعامة موفاز إليها منذ عدة أيام، وهناك مؤشرات تدعم على استحياء رأي فريق المحللين الذي يرى أنها حكومة سلام جاءت لتعزز رؤية نتنياهو في الحل القائم على دولتين متجاورتين، وهي رؤية طرحها لأول مرة في خطابه بجامعة بارايلان فور استلامه الحكم. المؤشر الأول هو موقف موفاز الذي أعلن أن سبب دخوله الحكومة وتبوئه منصب النائب الأول لرئيسها، رغبته في دعم عملية السلام. طبعاً علينا التعامل مع هذا الكلام بتحفظ دون رفضه كلية، وذلك لأن الدافع الأقوى لدى موفاز كان إنقاذ كاديما من الانهيار إذا أقيمت الانتخابات المبكرة في سبتمبر 2012 بدلاً من نوفمبر 2013. فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن كاديما سيفقد مكانته ويتدهور رصيد مقاعده من 28 مقعداً في الكنيست إلى 11 فقط. ومع ذلك يمكننا أخذ حديث موفاز عن دعمه السلام مأخذ الجد في ضوء مواقف حزبه المعتدل قياساً على شريكي نتنياهو؛ "إسرائيل بيتنا" و"شاس" المتطرفين. المؤشر الثاني لكونها حكومة سلام، هو قول نتنياهو في رسالته التي رد بها على رسالة عباس يوم 13 مايو الجاري، بأنه راغب في استئناف المفاوضات بأسرع وقت خصوصاً مع تشكيل حكومة الوحدة ذات القاعدة البرلمانية الواسعة وانضمام "كاديما"، مما يخلق فرصة جديدة. إن هذا القول الذي نقلته الصحف الإسرائيلية، يضاف إلى التزام نتنياهو في الرسالة للمرة الأولى بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. صحيح أن قادة منظمة التحرير اعتبروا رسالة نتنياهو عديمة الجدوى لتجاهله الالتزام بإقامة الدولة الفلسطينية في حدود يونيو 1967، مع تبادل الأراضي وتجميد الاستيطان وإطلاق الأسرى وسحب قواته من المنطقة (أ)، إلا أن فريق المحللين الإسرائيليين المنحازين لفكرة حكومة السلام، ما زالوا يراهنون على تأثيرات أكثر اعتدالاً سيمارسها كاديما على الحكومة ويحيد بها تطرف الشركاء الآخرين داخلها، وهو كلام نراقبه بحذر. طبعاً علينا الانتباه إلى أننا أمام مؤشرات نظرية بحتة لم نلمس لها ظهوراً في عالم الواقع السياسي، وعلينا أيضاً أن ننتبه إلى أن موقف نتنياهو المناور لم يتغير، ولم تطرأ ضغوط خارجية تجبره على تغيير مناوراته القائمة على الاعتراف اللفظي بإقامة الدولة الفلسطينية مع الاستمرار عملياً في التهام غور الأردن (30 في المئة من الضفة) مع كل المستوطنات والقدس، ومواصلة الاستيطان. أما الفريق الثاني من المحللين فيعتقدون استناداً إلى تاريخ حكومات الوحدة في إسرائيل، أننا أمام حكومة حرب، حرب ضد المنشآت النووية الإيرانية وحليفي طهران المجاورين؛ "حزب الله" و"حماس" لمنعهما من الاشتراك في الرد الإيراني على الضربة. صحيح أن أول حكومة وحدة إسرائيلية في يونيو 1967 أيدت هذا التوجه التحليلي، حيث قام ليفي آشكول رئيس حكومة حزب "العمل" بضم بيجين زعيم "ليكود" تمهيداً لتوجيه الضربة ضد مصر وسوريا والأردن، وصحيح أن موقف موفاز يؤيد توجه نتنياهو ووزير دفاعه باراك في توجيه الضربة، لكن يمكننا القول إن مجرد تشكيل الحكومة يمثل رسالة تلويح بالحرب للعالم ولإيران، قد تؤدي إلى تفاهمات دولية إيرانية تغني عن شن الحرب بالفعل.