يبدأ عما قريب موسم الصيف والإجازات لهذا العام، ومثل مواسم الأعوام الماضية يتوقع حدوث زيادة واضحة في حركة السفر الدولية، سواء بين التجار ورجال الأعمال، أو بين الراغبين في قضاء عطلاتهم خارج حدود بلادهم، وأحياناً حتى خارج حدود القارات التي يعيشون فيها، وهي الفئة التي أصبحت تشكل الغالبية الكبرى من المسافرين. حيث تقدر منظمة السياحة الدولية أن عدد من يسافرون لغرض الترفيه والسياحة يزيد عن 900 مليون شخص سنويّاً، أي تقريباً واحداً من كل ستة من أفراد الجنس البشري، ومن بين هؤلاء يسافر 600 مليون خارج بلادهم الأصلية ضمن ما يعرف بالسياحة الخارجية. وعلى رغم أن الغالبية العظمى منا تستثمر قدراً لا يستهان به من الجهد والمال في التحضير للعطلة السنوية، مثل حجز التذاكر والفنادق، أو اختيار أماكن الزيارات والفسح، والاتفاق على النشاطات الترفيهية المرغوبة من مختلف أفراد العائلة، إلا أنه كثيراً ما يسقط من خططنا واستعداداتنا، التحضير والتفكير في جوانب الأمن والسلامة المصاحبة لسفرنا، وخصوصاً إذا ما كان مقصدنا جهات قصية غير مألوفة. فالملاحظ في حركة السفر الدولية بقصد الترفيه، اتجاه المزيد من المسافرين، وخصوصاً من بين سكان الشرق الأوسط، للبحث عن مقاصد لسفرهم مغايرة للجهات التقليدية، مثل لندن، أو باريس، أو تركيا، والاستعاضة عنها بجهات أكثر إثارة، تمنح نشاطات ترفيهية غير معتادة، مثل تسلق جبال الهيمالايا، أو الخوض في غابات ماليزيا وإندونيسيا، أو الانخراط في رحلات على متن سفن تمخر عباب المحيطات لأسابيع، أو في رحلات سفاري في أدغال كينيا وتنزانيا، وأحياناً حتى بتسوانا وموزمبيق. وتتعدد جوانب الأمن والسلامة أثناء السفر والترحال، لتشمل خطر التعرض للجريمة مثل السرقة أو الاعتداء، أو التعرض لحوادث السير أثناء الانتقال من بلد إلى آخر، ومن مدينة لأخرى، وخصوصاً في دول العالم الثالث التي يعيبها سوء حالة الطرق، وسوء حالة السيارات ووسائل المواصلات، وعدم التزام السائقين بقواعد السير والمرور. وتشكل المشاكل الصحية والطبية جانباً مهمّاً من جوانب السلامة أثناء السفر، لأسباب عدة، منها زيادة عدد المسافرين من ذوي الأمراض المزمنة، مثل السكري، وأمراض القلب والشرايين، والتهابات المفاصل، والأزمة الشعبية، والتهابات الرئة المزمنة، وغيرها. هذا بالإضافة إلى أن العديد من الدول القصية والجهات النائية، وخصوصاً في المناطق الاستوائية والأفريقية، يستوطن بها العديد من الأمراض المعدية، مثل الملاريا، أو السل، وأحياناً حتى مرض الطاعون، والسعار أو داء الكلب. وهذه التحديات أدت إلى ظهور تخصص فريد ضمن التخصصات الطبية يعرف باسم طب السفر (Travel Medicine)، يُعنى بإدارة والوقاية من المشاكل الصحية التي تترافق مع السفر والرحلات. ويتضمن هذا التخصص حاليّاً العديد من المجالات الطبية المختلفة والمتنوعة مثل الأمراض المعدية، والصحة العامة، وطب المناطق الحارة، وعلم الإحصاء الوبائي، والطب المهني، والصحة البيئية، والطب النفسي، وغيرها. وبوجه عام يمكن تقسيم نشاطات هذا التخصص الطبي الفريد إلى أربعة أقسام رئيسية، هي: 1- الوقاية، من خلال التطعيمات والنصائح الطبية قبل السفر. 2- تقديم المساعدة، من خلال العلاج الطبي أو إعادة المريض إلى أرض الوطن. 3- توفير الرعاية الطبية في البيئات النائية، مثل المرتفعات الشاهقة وقمم الجبال، والأماكن غير المأهولة. 4- توفير الرعاية الطبية خارج بلد الموطن بالتنسيق مع التأمين الصحي المحلي الخاص. وأحياناً ما يختص طب السفر بتقديم الرعاية أثناء بعض الأوقات والمناسبات الخاصة، مثل التجمعات البشرية الكبيرة كما في موسم الحج، أو التواجد على متن سفينة في رحلة ترفيهية، أو ممارسة رياضة الغطس. وتتضح أهمية النشاطات والخدمات التي يقدمها طب السفر من خلال الدراسات والإحصائيات الطبية التي تظهر أن أمراض القلب والشرايين مثلاً، تتسبب فيما بين 50 في المئة إلى 70 في المئة من الوفيات التي تحدث أثناء السفر، وتتبعها في ذلك الإصابات والحوادث بنسبة 25 في المئة، ثم الأمراض المُعدية بنسبة 5 في المئة تقريباً. وهذه النوعية الأخيرة من الأمراض بالتحديد، أصبحت تتعدى التأثير الشخصي على المسافر الفرد لتشكل خطراً داهماً على الصحة الدولية برمتها. فعلى سبيل المثال يمثل السفر تهديداً خاصاً على صعيد انتقال الأمراض التنفسية المعدية، مثل الإنفلونزا، والحصبة، والسارس، والسل الرئوي، بين بلد وآخر في غضون أيام وساعات معدودة. وتعتبر التطعيمات هي خط الدفاع الأول أمام المخاطر الصحية التي قد تترافق مع السفر، وهي الحقيقة التي تؤكدها توصيات منظمة الصحة العالمية. فبخلاف التوصية بأن يراجع المسافر تطعيماته الروتينية، وأن يحصل على آخر الجرعات المقررة، يرى كثيرون أن وقت السفر يعتبر فرصة ذهبية أيضاً لمراجعة شاملة للحالة التطعيمية للرضع، والأطفال صغار السن، والمراهقين، والبالغين. وينصح المسافرون قبل سفرهم بفترة كافية، وخصوصاً إذا ما كانت وجهتهم دولة من دول العالم الثالث، أن يراجعوا عيادة "طب السفر" في إحدى المؤسسات أو المنشآت الصحية الموجودة في بلدهم، أو مراجعة طبيبهم الخاص إذا لم تتوافر هذه الخدمة، للتأكد من تطعيمهم ضد الحصبة العادية، والحصبة الألمانية، والتهاب الغدة النكفية، والدفتيريا، والتيتانوس، والسعال الديكي، وشلل الأطفال، بالإضافة إلى بعض التطعيمات الخاصة كالتطعيم ضد الحمى الصفراء، أو ضد داء الكلب، وكل ذلك قبل بدء رحلتهم بفترة كافية.