لم يكن منتدى الإعلام العربي وحفل توزيع جوائز الصحافة العربية اللذان نظمهما نادي دبي للصحافة مؤخراً تقليديين، بل إن روح التجديد واكبت الحدثين اللذين توّجَهُما حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء بدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي، الذي أكد في لقائه الأخوي مع الإعلاميين العرب أن "من ينجح في قيادة التغيير في قطاع الإعلام، سيحجز له مكاناً مهمّاً في المستقبل". وفعلاً فقد تحقق هذا الرأي خلال الثورات العربية، ومن قبلها وجود المدينة الإعلامية في دبي. فالإعلاميون العرب الذين يجتمعون كل عام في هذه المدينة الوادعة يشعرون بحنين طاغٍ لأن نادي دبي للصحافة يحقق أحلامهم بالمزيد من التعارف وتبادل وجهات النظر والتثاقف، وخصوصاً مع إدخال جيل الشباب في جلسات المنتدى وورش العمل. ولكن الصراع هذا العام بدا محتدماً بين جيل "الشياب" أنفسهم عندما ردَّ العضو السابق في القيادة الجزائرية محيي الدين عميمور على حديث عالم الفضاء العربي الدكتور فاروق الباز حين قال إن: "هذا الجيل -يقصد جيل الشياب- قد فشل في تحقيق الأهداف القومية للشعوب العربية" ونفى (عميمور) هذه التهمة، في حين دعم الدكتور (الباز) حديثه بالإشارة إلى مواقع الخلل في مسيرة الحكومات العربية، مثل: عدم تحقق الوحدة العربية، وعدم قدرة المؤسسة العسكرية العربية على تحرير فلسطين، وعدم نجاح المؤسسة التعليمية العربية في أن "تعلّم نفسها"، بقدرما فشلت في محو أمية الشعب العربي. وكذلك عدم تحقق العدالة الاجتماعية، وقامت الإدارات العربية -ولعله يقصد الحكومات تأدباً- بأخذ المال من الأغنياء لتضعه في جيبها، بدلاً من أن توصله إلى الفقراء. والحال أن صراع الأجيال بدا واضحاً في طروحات الشباب وسعيهم -بحماس- إلى محاسبة رموز الأنظمة الساقطة وطلبهم تقديمهم إلى المحاكمة. كما دارت نقاشات ساخنة حول ما سُميّ بـ"الإعلام التقليدي"! وانبرى "الشياب" للدفاع عن إعلامهم رافضين مقولة أنه "إعلام فاشل"، مؤكدين أن التطور التكنولوجي يجب ألا يكون حَكَماً يستند إليه وحده، في الحكم بفشل الإعلام العربي. كما دارت نقاشات حول أهمية أن يعرف الصحفي لغتين أو أكثر، ورأى أحد "التقليديين" أن الصحفي المحترم يكون بتعلمه اللغة العربية، في حين رأى آخرون أن الإعلام الإلكتروني -مع التقدير لمساحة حريته- غير موثوق به، وتحدُث فيه ممارسات سلبية، وأن مصطلح "صحفيون بالفطرة" ملتبس ولا يمكن أن يحقق صحافة ناجحة وذات قيمة. ولعل أكبر المواضيع اشتباكاً للآراء: قضية المصداقية أو الحياد أو الموضوعية! فقد دافع إعلاميون -يمثلون محطات فضائية عربية كبرى- عن مواقفهم "الحيادية"؛ وأتوا بأمثلة تدعم رؤاهم، في الوقت الذي أخفوا فيه أمثلة أخرى تعارض تلك الرؤى! ونظراً لارتباط جلسة "القنوات الإخبارية والثورات العربية" ببرنامج تلفزيوني، لم يكن الوقت يسمح لأن نناقش هؤلاء المسؤولين! حيث اختلفنا مع مسؤول الـ(BBC) عندما أعلن أن محطته تلتزم الحياد التام وإلى أقصى درجة، وأنها "حرة " فيما تعرضه دون تدخل من أحد! ونحن ندرك أن هنالك قوانين بريطانية معروفة -وبالأخص على المحطة المذكورة- لا تبرئها من عدم الحياد! وقد لاحظنا ذلك أثناء حرب "الفوكلاند" وتدخل وزارة الدفاع في التغطيات أو التصريح ببث مشاهد أكفان البريطانيين الذين سقطوا في المعركة! ما اعتبر انتهاكاً لحرية التعبير! كما لاحظنا تغطية المحطة للأحداث المؤسفة التي جرت في مملكة البحرين! حيث أبرزت مواقف وآراء فئة دون غيرها وبتكرار ملحوظ! وفي حديث مع أحد كبار الصحفيين العرب -شاركنا فيه شباب من مصر- ناقشنا موضوع تحوّل الكـُتاب والمذيعين من مساندة النظام في مصر إلى الثورة! بل إن بعض المذيعين الذين ظهروا على الهواء "يبكون على الرئيس السابق حسني مبارك" وبأنه لا يستحق هذا الموقف من بعض المتهورين (المتظاهرين)، ظهروا وكأنهم ثوار بعد أن سقط النظام. ويبدو أن الأمور التي انفلتت على الأرض في بعض العواصم الثائرة، قد أحدثت انفلاتاً آخر في الفضاء؛ حيث شاهدنا مذيعين وضيوفاً -بعد الثورة- وكأنهم يريدون الخروج من الشاشة والتوجه إلى الميادين مباشرة. وهذه الفوضى لمستها الزميلة مريم بن فهد المديرة التنفيذية لنادي دبي للصحافة في كلمتها الافتتاحية عندما رأت أن "الأوضاع العربية -بعد الربيع العربي- بدأت بالثوران و التغيّر ثم الفوضى والترقب والآمال التي تخبو وترتفع". وفي واقع الأمر، فإن الأمور ميدانيّاً ما زالت غير مستقرة في أكثر من بلد (ثائر)، وهذا ما يؤثر على ممارسات الإعلام في تلك البلدان. ويجعل ما يُطلق عليه "الحياد" أو "الموضوعية" أمراً بعيد المنال، وخصوصاً في ظل غليان الشارع وحساسيته من أي شيء! ذلك أن المصلحة والأيديولوجية تتحكمان في تلك الممارسات، وتبعد الصحف والمحطات عن قيم الموضوعية أو الحياد التي يجب أن تسود، وأن يُقدَّم الخبر والمعلومة للمتلقي دون وصاية أو "حقن" رأي صاحب الوسيلة أو النظام الذي يمولها. وفي الكواليس كان هنالك همسٌ حول هبوط مستوى أداء بعض الفضائيات، واستشعار لأهمية ظهور فضائية عربية جديدة ضمن مشروع تجاري كبير، وكذلك وصول إعلاميين غير متخصصين إلى تلك الفضائيات التي غلبت عليها الأيديولوجية والعقائدية. مناسبة إعلامية كبرى، لكن همومنا تظل أكبر، لأن تقديم الحقيقة للمتلقي يبقى من المهام الصعبة إن لم تكن مستحيلة.