رغم السياسات المحفزة التي تتبعها دولة الإمارات في تعاملها مع المصارف العاملة لديها، سواء المصارف الوطنية منها أو الأجنبية، ورغم حالة استقرار الأداء التي تعيشها تلك المصارف، التي تنتقل بخطوات ثابتة إلى أعلى على منحنيات الأداء، وهو ما تظهره المؤشرات الصادرة عن "المصرف المركزي" الإماراتي، والتي توضّح أن هناك تحسناً في مستويات السيولة وفي قيم الأصول والموجودات ومؤشرات الربحية في القطاع المصرفي كله من فترة إلى أخرى، فإن بعض تلك المصارف ما زالت تتبع سياسة ائتمانية تميل إلى التحفظ. وتبدو ملامح التحفظ في السياسات الائتمانية التي تطبّقها بعض المصارف العاملة في الدولة واضحة بشكل جلي في تعاملها مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فرغم الأهمية الكبيرة التي تحتلها هذه المشروعات في هيكل الاقتصاد الوطني، حيث إنها تمثل نحو 90 في المئة من العدد الإجمالي لمؤسسات الأعمال، وتوظف نحو 85 في المئة من الأيدي العاملة في الدولة، فإن هناك صعوبات تواجهها هذه المشروعات في الحصول على التمويل من قبل المصارف، كأسعار الفائدة المرتفعة والضمانات الكبيرة إلى جانب محدودية مبالغ التمويل الممنوحة لكل مشروع. ونتيجة لهذه الصعوبات فلا تتجاوز نسبة المشروعات التي تحصل على تمويل مصرفي نحو 2 في المئة من عددها الإجمالي، في حين يبقى نحو 98 في المئة منها غير قادر على الحصول على أي شكل من أشكال الائتمان المصرفي، وفق ما جاء في ورشة العمل التي نظمتها غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، مؤخراً، حول برامج تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وآلياتها، الأمر الذي يمنعها عن أداء دورها بالشكل المناسب، ويعرضها في كثير من الأحيان إلى الإفلاس، خاصة إذا واجهت صعوبات مالية. ورغم أهمية الأسباب العائدة إلى ممارسات المصارف، فلا يمكن تجاهل الأسباب التي ترتبط بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في حد ذاتها، لا سيما الأخطاء التي يقع فيها القائمون عليها بما يحد من قدرتها على الحصول على التمويل، كالخلط بين الذمة المالية الخاصة لصاحب المشروع والذمة المالية الخاصة بالمشروع نفسه في بعضها، وضعف الأسس والمعايير المالية والمحاسبية المتبعة في بعضها الآخر، وضعف المعرفة الفنية والإدارية لدى القائمين عليها في بعض الأحيان، الأمر الذي يتسبب في عدم استقرار أدائها، ويرفع من مخاطر إفلاسها، هذا بخلاف عدم قدرة أصحاب بعض المشروعات على توفير الضمانات الكافية للحصول على الائتمان المصرفي. وفي هذا الإطار تبرز أهمية وضع الآليات التي تساعد على إيجاد جو من الثقة بين المصارف والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقد يكون تأسيس مكتب للمعلومات الائتمانية أحد الآليات الفاعلة في هذا الشأن، وهو المقترح الذي خرجت به ورشة العمل التي نظمتها "غرفة تجارة وصناعة أبوظبي"، مؤخراً، السابق الإشارة إليها، وإلى جانب ذلك يمكن مساعدة أصحاب المشروعات الصغيرة على توفير الضمانات اللازمة للحصول على التمويل المصرفي، بعد تقويم مشروعاتها وفقاً لمعايير علمية واقتصادية صحيحة من قبل الدولة. وفضلاً عن ذلك، من الممكن إقامة دورات تدريبية متخصصة لمساعدة أصحاب هذه المشروعات على تطوير قدارتهم الفنية والإدارية والمحاسبية، بما يرفع من كفاءتها ويزيد من مستوى استقرار أنشطتها، وبالتالي تتدنى مستويات المخاطرة التي تتحملها المصارف لدى إقدامها على تقديم التمويل اللازم، ومن شأن ذلك أن يشجعها على التوسع في تقديم التمويل اللازم لها. ــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.