تميّزت سياسة دولة الإمارات بالكفاءة والمرونة في مواجهة "الأزمة المالية العالمية" وتداعياتها، فاستطاعت تخطي آثارها السلبية من دون التعرّض لأي مخاطر، وتميّزت سياستها في هذا الشأن بالسرعة والمرونة، فبادرت، عبر مصرفها المركزي ووزارة ماليتها، إلى تبني العديد من المبادرات التي طمأنت المؤسسات العاملة في الدولة، وساعدت في الوقت نفسه على بثّ الثقة في نفوس الأفراد من مستثمرين ومستهلكين، عبر تكفل "المصرف المركزي" بضمان ودائع المتعاملين من المصارف الإماراتية، ووضع كمّ كبير من السيولة تحت تصرّف هذه المصارف أيضاً، في حال استلزم الأمر، بهدف مساعدتها على التغلب على مشكلات السيولة التي يمكن أن تتعرّض لها. ولعل تعامل الدولة مع أزمة ديون شركة "دبي العالمية" كان مثالاً على سلامة السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعتها الدولة منذ بداية "الأزمة المالية العالمية"، عندما تعاونت الحكومة الاتحادية مع الحكومات المحلية، وقدّمت الدعم المالي والفني والمعنوي اللازم، ما ساعد الشركة على الخروج من الأزمة، وهو ما بعث حينذاك حالة من الثقة العالمية بالوضع المالي والجدارة الائتمانية للاقتصاد الإماراتي بوجه عام، وقد اتضح ذلك بجلاء من خلال التصريحات التي صدرت عن "وحدة الإيكونوميست إنتلجانس بوينت" في ذلك الحين، التي أعربت فيها عن ثقتها بالجدارة الائتمانية للاقتصاد الوطني الإماراتي، وقللت من المخاطر السيادية التي يمكن أن تتعرّض لها الدولة، وأكدت ثقتها بالإجراءات التي اتخذتها الدولة في مواجهة الأزمة. وبعد مرور ما يقرب من عامين فما زالت شهادة "وحدة الإيكونوميست إنتلجانس بوينت" بشأن الأوضاع المالية والائتمانية للاقتصاد الإماراتي كما هي، إذ ما زالت تثق بالجدارة الائتمانية للدولة، وقدراتها على تخطي أي أزمات محتملة في المستقبل، وقد وضح ذلك في طيّات التقرير الأخير الذي صدر مؤخراً عن الوحدة الذي منحت فيه كلاً من المخاطر السيادية للإمارات والمخاطر المالية للدولة ومخاطر القطاع المصرفي تصنيفات من الفئة "مستقر"، وتوقعت ارتفاع الاحتياطي النقدي للدولة خلال العام الجاري بفضل النمو القوي في إيرادات التصدير، خاصة مع استمرار ارتفاع أسعار النفط العالمية، ولعل اجتماع هذه التصنيفات الإيجابية كلها يعبّر عن الحالة الجيدة التي تتمتع بها الأوضاع المالية لدولة الإمارات بشكل عام. إن الثقة المتواصلة لـ"وحدة الإيكونوميست إنتلجانس بوينت" بالقدرات المالية والائتمانية لدولة الإمارات تدلل على أن الاقتصاد الوطني لم يتأثر بالسلب من تداعيات "الأزمة المالية العالمية"، وأنه برغم المخاطر التي تعرّض لها في بعض الفترات فإنه استطاع مواصلة الأداء بشكل مستقرّ من دون أن يتكبّد خسائر تذكر، وأنه تمكن من أن يوجد لنفسه أرضية صلبة وطريقاً منفرداً يسير عليه إلى الأمام في اتجاه استكمال التعافي من تداعيات الأزمة، برغم الظروف الاقتصادية غير المواتية على المستوى العالمي، التي ما زالت تموج بالعديد من مظاهر عدم الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي أيضاً. إن حرص دولة الإمارات بشكل مستمر على التفاعل السريع والمرن والكفء مثل عاملاً حاسماً في التعامل مع تداعيات الأزمة المالية ومستجدّاتها على مدار السنوات الماضية، ومن المتوقع أن تظل كذلك خلال السنوات المقبلة، بل إن الخبرة التي تمكنت من بنائها عبر تفاعلها مع هذه الأزمة ستمثل عاملاً إضافيّاً للنجاح خلال السنوات المقبلة، بما يضمن لدولة الإمارات المحافظة على موقعها كواحدة من التجارب الناجحة في التعامل مع الأزمات المالية الطارئة.