هل نحتاج إلى برامج تلفزيونية تروج لمواهب سطحية لا تسمن ولا تغني من جوع؟ فمن الخطأ أن يتم حصر الشباب في فكر لا يذهب خارج إطار التكرار، أو التظاهر بمواهب وهمية كالرقص والغناء. ماذا قدم برنامج المواهب العربية، الذي يأتي بشخصيات تتعرف عليها وكأنها تحمل في طيات جلودها منطقاً غير معروف من الموهبة والإبداع. الإبداع هو الحالة الإنسانية الخالصة التي تشحذ همة الفكر، وتحول أهله إلى منتجين لوعي مهم يؤثر في من حوله ويسبغ المعاني على كل ما حوله. فهناك فرق شاسع بين المبدع في موهبة تصقلها الخبرات والآخرون وبين موهبة لاتضيف ولا تنعكس على صاحبها بوعي مختلف وفكر نوعي يتميز بقراءة جميلة تقول إن صاحبها مبدع ومختلف. وكم تمتلئ شوراعنا وحوارينا نحن العرب بالمبدعين، بشباب صغار لم يعرفوا فن الحكي والقص عن أنفسهم، وأي أضواء تعمل في صدورهم؟ فمن المؤسف أن يتم اختزال مواهب الشباب في الرقص السمج، أو في غناء اكتظت الساحة به لدرجة أننا لم نعد نفرق بين الأصوات أو الأغاني نفسها. هل ندعي حسن النوايا، أم نكتفي بالقول إنه لا جديد، فالتفاهة تنتشر لدرجة مخيفة، وبالتالي تدفع البعض لقبولها على مضض. فكرة المحاكاة العمياء، التي تقوم بها بعض القنوات الفضائية في حد ذاتها، أفقدتها مصداقيتها، وتحولت إلى مجرد مقلد في شكل ظاهري فارغ وبعيد عن مزايا أخرى للقنوات الغربية. وهذا الأمر ليس لأن القائم على القنوات الفضائية لا يحتمل أن يفكر ويبتكر أفكاراً جديدة، بل لأنه ربما يبحث عن مكاسب مادية سريعة، تضمن له أن يحقق أعلى عائد ممكن. يبدو أننا نتحدث بحديث قديم، يتجدد بأن الإعلام مازال في حاجة إلى كثير من دوره المفترض أن يقوم به، ومازال مغيباً عن الواقع، الذي يحتاجه كي يكون دافعاً وشاحذاً له وسط الكثير من الاحباطات لم تدرك بعض القنوات أن هناك حداً لكل الإسفاف، الذي تتبناه وهناك رفض مجتمعي لحالة الابتذال. كوابيس عدة أسهمت في فقدان الإحساس بضرورة أن نغير واقع الإعلام وأن نطوره إلى مضمون نافع ومبتكر، ونسهم في أن يكون إنعكاساً صادقاً للمجتمع النابع منه، فالغث الذي طغى على مضمونه جعل التساؤل حول هذا الموضوع ملّحاً، ويأتي مصراً على الوصول إلى إجابة. وأين هو الإبتكار والإبداع، الذي لابد وأن يتصف الإعلام به، والذي يتعلمه طلبة الإعلام من المحيط إلى الخليج؟ طاقة الإبداع التي يكتظ بها هؤلاء الصغار من المهم أن توجه نحو انتاج أفكار مهمة ومؤثرة ومبتكرة وتسهم في تقدير مواهبهم وتوجيهها نحو مواهب وإبداع تؤكد حقيقة أننا أمة لم تخلو يوماً من مبدعيها العظام.