كنت أنوي الكتابة اليوم عن أسباب وأبعاد الانتخابات الفرنسية والقلق من صعود تأثير وشعبية اليمين المتطرف وانعكاسه على التسامح والتعايش في أوروبا. وكنت أفكر أيضاً في الكتابة عن القمة الخليجية التشاورية التي تعقد اليوم في الرياض لقادة الدول لمناقشة ما وصلت إليه لجنة الخبراء من الدول الست بشأن الانتقال من التعاون إلى الوحدة استجابة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز الذي سبق أن أطلق تلك المبادرة خلال القمة الخليجية في ديسمبر الماضي، وذلك استجابة للتهديدات التي أصبح احتواؤها في حاجة إلى منهجية وآلية مختلفة كليّاً عن الآلية والمنهجية اللتين اتبعتهما دول المجلس كمنهج في التعامل مع بعضها بعضاً، ومع التهديدات والتحديات التي تواجهها في منطقة دائمة التوتر وعدم الاستقرار. ولا شك أن ذلك يشكل تحولاً جذريّاً في العمل الخليجي. وحتى لا نستبق الأمور، فقد صرفت النظر هنا عن الإفاضة في هذا الموضوع وأجلت التفصيل فيه إلى ما بعد قمة اليوم التشاورية لنعرف الموقف من تلك الفكرة التي طال أمد انتظارها وصولاً إلى الوحدة التي هي بحاجة إلى تمهيد وتحضير وتقريب وجهات النظر، ومعرفة ما هي أولوياتها وأهدافها وشكلها والقيمة المضافة التي ستحققها. ولذلك، ونظراً إلى تطورات الأسبوع الماضي التي بدت مميزة وتجمع بين الصدمة والترويع والمهازل والآلام وصعود نجم الإعلام والمناظرات، ارتأيت أن أتناول ذلك، بملاحظات محددة. بدأ الأسبوع الماضي بانتخابات فرنسا وكانت هي الدولة الثانية من الدول الكبرى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التي تجري انتخابات رئاسية بعد روسيا وقبل أميركا. وكانت خسارة ساركوزي، الرئيس الفرنسي الذي أصبح "سابقاً"، كانت مدوية وتاريخية. وقد دخل التاريخ كونه ثاني رئيس فرنسي يخسر انتخابات لفترة ثانية في الجمهورية الخامسة منذ عام 1981 عندما خسر فاليري جيسكار ديتسان. وفوز غريمه ومنافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند، جعله هو أيضاً، ثاني رئيس اشتراكي فرنسي في الجمهورية الخامسة منذ ميتران. وهكذا عاد الاشتراكيون بعد غياب عن قصر الأليزيه دام 17 عاماً. كما أن فوز هولاند سيبعثر الكثير من الأوراق في أوروبا حول النقاش المحتدم بين السياسة الأكثر فعالية بشأن التقشف والتشدد التي تنتهجها ألمانيا بدعم من بريطانيا، أم سياسة تحفيز النمو بالاقتراض التي يدعمها هولاند. ولذلك فإن هناك الآن حالة استنفار وطوارئ في العواصم الأوروبية وواشنطن لمعرفة مدى تأثر منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي ككل، بعد نتائج الانتخابات في فرنسا واليونان، لتأثيرها البالغ على التحولات في مستقبل أوروبا. وفي الولايات المتحدة دشن الرئيس أوباما حملته الرئاسية لولاية ثانية، وفجر مفاجأة بموقفه من الشواذ جنسيّاً بتأييده لحقوقهم، وذلك لاستمالة تلك الشريحة في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم. وفي يوم الاثنين الماضي جرت أيضاً انتخابات مجلس الشعب السوري. وقد تكون هذه سابقة أن تجرى انتخابات في دولة تعيش حالاً إن لم تعتبره ثورة فسمّه، على الأقل، انتفاضة وتمرداً ورفضاً للنظام الحاكم. وعلى وقع القتل والقصف ورائحة الموت والدماء التي تنزف من دمشق إلى درعا ومن حلب إلى حمص وحماة وإدلب وغيرها من مدن وبلدات.. كيف تجرى انتخابات في هكذا أجواء؟ وخلالها وقبلها تتصاعد وتزداد تعقيداً العلاقة بين النظام وشعبه. ومع دخول عنصر السيارات المفخخة والانتحاريين يرتفع مؤشر المجهول والرعب والفوضى، وخاصة يوم الجمعة الماضي حين تصدع أمن دمشق بأكبر انفجارين يضربان سوريا منذ اندلاع ثورتها في مارس 2011. وقد سقط 55 قتيلًا وحوالي 400 جريح وسط اتهامات متبادلة بين النظام والمعارضة بشأن من يقف وراء هذه الانفجارات. وفي ما تغرق سوريا في الفوضى والاضطرابات وعدم الاستقرار والانتخابات، تبرز اتهامات واضحة من النظام السوري ومن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين بوجود عناصر من تنظيم "القاعدة". وتبقى الجزائر أيضاً بلا ربيع عربي حتى الآن. وقد جرت انتخابات برلمانية هناك. وفي حين لم ينجح تكتل الأحزاب الإسلامية في تكرار النتائج التي تحققت في تونس ومصر من جمهوريات الربيع العربي، واتهامه الحكومة بالتلاعب بنتائج الانتخابات لمصلحة الحزب الحاكم "جبهة التحرير الوطني" -حزب الرئيس بوتفليقة- الذي حصل على 220 مقعداً، وحل ثانيّاً حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" حليف جبهة التحرير في التحالف الرئاسي حيث حصل على 68 مقعداً، في حين حصل تحالف الأحزاب الإسلامية "تكتل الجزائر الخضراء" على 66 مقعداً. فيما فازت 145 امرأة بمقاعد برلمانية بسبب نظام "الكوتا" الذي يمنح المرأة 30 في المئة من مقاعد البرلمان. وفي الوقت الذي تبقى فيه الجزائر خارج نطاق ما يسمى الربيع العربي، يتقدم هذا الربيع في تونس، وهي الشرارة الأولى في موجة التغيير العربي. وقد تأسس أول حزب سلفي فيها باسم "جبهة الإصلاح التونسي" برئاسة محمد خوجة. وفي المقلب الآخر من تدافع الأحداث كان الأسبوع الماضي أيضاً أسبوعاً إعلاميّاً بامتياز. وكانت أول مناظرة تلفزيونية بين مرشحين للرئاسة في تاريخ العرب ومصر السياسي بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح، ودخل العرب مرحلة التنافس على منصب الرئيس! وقد شاركنا أيضاً في أكبر تظاهرة إعلامية في الوطن العربي في منتدى الإعلام العربي في دبي تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وبمشاركة مئات الإعلاميين العرب الذين سعدنا بالاجتماع والحوار معهم والاستماع لمداخلاتهم وتعليقاتهم. وكان شعار منتدى الإعلام العربي لهذا العام "الإعلام العربي: الانكشاف والتحول". وقد طغى البعد السياسي على الإعلامي في منتدى هذا العام الذي كان مميزاً ومنظماً كما عهدناه. وسعدنا ككويتيين باختيار وزير الإعلام الكويتي الأسبق والإعلامي المخضرم محمد السنعوسي "شخصية العام الإعلامية"، وهو تقدير في مكانه لإعلامي مخضرم. وقد تزامن انعقاد منتدى الإعلام العربي في دبي مع حدث مهم في عالم الإعلام العربي. فقد أعلن عن بدء بث فضائية إخبارية جديدة هي قناة "سكاي نيوز العربية" من العاصمة أبوظبي لتزيد من القوة المرنة الخليجية، وسط تحديات مع فضائيات إخبارية عربية أو موجهة للعام العربي من دول كبرى لتشكيل الرأي العام العربي. ولتنضم هذه القناة إلى قنوات الأخبار التي أصبحت لاعباً مؤثراً في تشكيل الرأي العام، حسب استقصاء ودراسة "نظرة على الإعلام العربي:2011- 2015" الذي أصدره ووزعه نادي دبي للصحافة ضمن فعاليات منتدى الإعلام العربي الحادي عشر في دبي. حيث تؤكد الدراسة الاستقصائية، واستطلاعات الرأي فيه، أن شريحة مَن تجاوزوا 45 عاماً وبنسبة 35 في المئة هي الشريحة الأقل استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي. ورداً على سؤال: أي نشاط إعلامي من الممكن أن تفقده أكثر؟ قال 43 في المئة من تلك الشريحة في العالم العربي إنه "التلفزيون"، مقابل 26 في المئة حددوا الإنترنت. بينما الجيل من عمر 14-34 كانت الإجابة بنسبة 20 في المئة أنهم سيفقدون التلفزيون مقابل 43 في المئة للإنترنت. وبهذه الطريقة تزداد الفجوة المعرفية بسبب صعود قوة التكنولوجيا والإعلام الحديث الذكي. وهكذا انتهى أسبوع آخر في عالمنا العربي مزج الدم بالثورة والسياسة بالإعلام والربيع العربي بحصاده وانتخابات بمعنى وأخرى.. لا تفضي إلى شيء، وفي انتظار الأسبوع القادم.