إن أحد التفاصيل المهمّة في حياة ميت رومني، المرشح الجمهوريّ لرئاسة الولايات المتحدة، انتسابه إلى المورمونيّة. والحال أنه هو وعائلته استثمرا في الانتساب هذا ودفعا أكلافه كما تقيّدا، إلى أبعد الحدود، بمقتضياته. فوالده جورج ولد أصلاً في المكسيك لسبب يتصل بذاك المعتقد. ذاك أنّ الجدّ "غاسكل" كان مناضلاً مورمونيّاً وواحداً من الذين هربوا إلى الجارة الجنوبيّة بعد اتهام الرئيس أبراهام لينكولن للمورمون بتعدّد الزيجات، وإصداره قانوناً يمنع هذا التعدّد في 1862. وقد تكبّدت العائلة غاليّاً ثمن التشرّد ذاك فاضطرّت أن تبدأ من الصفر، ماليّاً واقتصاديّاً، بعد عودتها إلى الولايات المتحدة. والحال أنّ الوالد جورج دأب على إلقاء محاضرات في الدين والسلوك المدنيّ القويم تبعاً للتعاليم المورمونيّة. أمّا النجل "ميت" فتحوّل، حين كان في باريس أواخر الستينيات، إلى مبشّر مورمونيّ مواظب يدقّ أبواب البيوت لنقل الرسالة. وقد تزوّج زوجته الحاليّة، "آن"، فيما كان طالباً جامعيّاً، إذ المورمونيّة تحضّ على الزواج المبكر والإنجاب، ثمّ بدأ الزوجان سريعاً الإنجاب، وذلك قبل أن يتخرّج "ميت" من هارفارد. ولئن تقدّم في البيزنس، فقد تقدّم أيضاً في المورمونيّة فأصبح مطراناً ثمّ رئيساً لجماعة بوسطن. وإبّان مطرانيته عُرف بموقف مناهض للإجهاض لا تزال الحركات النسويّة تأخذه عليه، ويُقدّر للموقف هذا أن يخفض نسبة تأييده، في الانتخابات الوشيكة، بين النساء. والحقّ أنّ الإشكال الدينيّ المتعلق بهذه الجماعة هو ما يثيره الإنجيليّون بحدّة لا تخلو من عدوانيّة أحياناً. والمورمون يتراوح تقديرهم بين 3,1 و6,1 في المئة من الأميركيّين، الذين يشكلون نصف مورمون العالم، فيما النصف الآخر يتوزّع على بلدان أميركا اللاتينيّة والفلبين. وقد وُجدت هذه الفرقة الدينيّة الثقافيّة على يد جوزيف سميث في عشرينيات القرن التاسع عشر في نيويورك، مؤكدة على الروابط الجماعيّة والتعاون بينها، وعلى ممارسة الزيجات الجماعيّة التي يقال إنّ الحركة تخلت عنها في العقود القليلة الماضية. وأهمّ من ذلك أنّ المورمون أقليّة تتمسك الأكثريّة البروتستانتية بالظنّ أنها ذات أفكار وممارسات غريبة، لاسيما لجهة تعدّد الزيجات. وهنا أيضاً قدّم ميت رومني تطمينات على الصعيد الثيولوجيّ، وبالغ في الهجوم على العلمانيّة "كدين" طامحاً إلى الاستفادة من موقف مسيحيّ موحّد ينتفي معه التركيز على التناقض الإنجيليّ- المورمونيّ. وثمّة أصوات تجزم بأن مورمونيّة ميت رومني لن تلعب أيّ دور سلبيّ ملحوظ في التصويت له بالنسبة للكتلة الجمهوريّة العريضة التي ستغلب، لحظة الاقتراع، ولاءها السياسيّ والإيديولوجيّ. وهنا يظهر من يقارن بين مورمونيّة رومني وكاثوليكيّة جون كينيدي التي لم تحل دون فوزه الشهير في الانتخابات الرئاسيّة. أمّا في ما خصّ نظرة رومني إلى العالم الخارجيّ فهناك القليل المعروف، علماً بأنّ معظمه لا يخرج عن الاجماعات القائمة تقليديّاً في صفوف حزبه الجمهوريّ. فهو يكره أوروبا، ولربّما تأسّس كرهه لها إبّان عيشه في فرنسا في 1968 حين نشبت ثورة مايو الطلابيّة. وكذلك نقل عنه استياؤه كمؤمن من أنّ الكاتدرائيات البالغة العظمة والجمال التي شاهدها في القارّة القديمة فارغة تخلو من المصلين، دلالة على افتراق النظر إلى الدين بين الأميركيّين المحافظين وعموم الأوروبيّين. وبقدر كرهه أوروبا يراهن ميت رومني على آسيا لأنها المحور الاقتصاديّ الصاعد. وهذا لا يلغي شكوكه بالصين وخوفه من طموحاتها ونواياها. ولكنْ في ما خصّ الأسماء التي يستعين بها رومني، نجد أنه يغرف من المؤسّسة التقليديّة للحزب الجمهوريّ بسياسيّيها كما بكفاءاتها الاستراتيجيّة. وهذا ما حمل بعض المراقبين على افتراض أنّ ترافقه كوندوليزا رايس، مستشارة بوش الأب ووزيرة خارجيّة بوش الابن، كمرشّحة لنيابة الرئيس. وهناك أهرون فريدبرغ، الذي أصدر مؤخّراً كتاباً بعنوان "منافسة على التفوق: الصين وأميركا والصراع على السيادة في آسيا"، وكان مستشاراً لنائب الرئيس السابق ديك تشيني. وفريدبرغ هو حاليّاً بروفيسور في جامعة برنستون، ضمّه رومني إلى طاقمه للشؤون الخارجيّة للتركيز على شؤون آسيا والمحيط الهادئ. والمعروف أنه في حملته لنيل الترشيح الرئاسيّ في 2008 كان مستشاره لشؤون الأمن والاستراتيجيا ميتشل رايس، وهو خبير محترم في السلاح النوويّ وفي انتشاره، سبق أن عمل مستشاراً لوزير الخارجيّة السابق كولن باول. ومن الآراء المنسوبة إلى رومني أنه، في حال فوزه بالرئاسة، سيعيّن سفيراً بارزاً لقيادة النشاط الآيل إلى منع الإرهاب النوويّ، بما في ذلك تسريع الجهود وتوسيعها لإقامة بنك دوليّ للوقود النوويّ كي يعزز الكميات التجاريّة المتوافرة لأغراض سلميّة، على أن يعامل نقل المواد النووية والمتاجرة بها كجريمة ضدّ الإنسانيّة مثلها كمثل المجازر وجرائم الحروب. والخلفيّة هذه إنما ترشحه لمواقف متصلبة في الشأن الإيراني. والحال أنّ ميت رومني يُعتبر نيكسونيّاً، دلالة على تشدّده في أمور الجيش والسياسة الخارجيّة، وقد سبق له، إبّان "الحرب على الإرهاب"، أن وعد بمضاعفة حجم معتقل غوانتانامو. ثمّ أعلن، في ما اعتبر لاحقاً زلة لسان، أنه مستعد للقتل في أفغانستان أكثر ممّا هو مستعدّ للتفاوض مع "طالبان". وبحسب مقالة نشرتها "نيويورك تايمز" لمايكل باربارو، يغالي المرشّح الجمهوريّ في إعلان حبه لإسرائيل ورغبته في إشراكها مباشرة في رسم سياساته الشرق أوسطيّة. ويبدو، بحسب المرجع نفسه، أنّ علاقة شخصيّة وطيدة ربطته بنتنياهو حيث تعود صداقة الاثنين إلى 1976 حين عملا كمستشارين شابّين لـ"مجموعة بوسطن للاستشارات" الماليّة والتوظيفيّة. وعلى العموم فرومني لا يمثل خروجاً عن عاديّة بعض السياسيّين وعن انتهازيّتهم، وهما عاديّة وانتهازيّة تترجّع فيهما أصداء الموقف من الدين والاقتصاد والسياسة الخارجيّة. إلاّ أن المؤكد أنّ حظه في الرئاسة ضعيف جداً، ولن يقوى إلا في حالة واحدة كتعرّض أوباما لنكسة ضخمة، ولاسيّما في مجال التعافي الاقتصاديّ، في الفترة التي تفصلنا عن نوفمبر المقبل. وهذا مستبعد.