ميانمار المعروفة أيضاً باسم"بورما"، وهي بلد آسيوي ليس له منفذ على البحر، ومحاط باقتصادين عملاقين سريعي النمو هما الاقتصاد الصيني والهندي، بدأت فصلاً جديداً في تاريخها، عندما أقسمت زعيمة المعارضة "أونج سان سوكي" قسم العضوية بالبرلمان بعد فوز حزبها بالانتخابات الأخيرة، وهو القسم الذي نقلها من ناشطة من أجل الديمقراطية، إلى عضو منتخب في برلمان البلاد. وأهمية احتلال "سوكي" الحاصلة على جائزة نوبل للسلام لمقعد في البرلمان، أمر لا يمكن المبالغة في التأكيد على أهميته، لأنها دخلت في نظام تأسس من قبل جنرالات الجيش الذين وضعوها قيد الإقامة الجبرية لعدة عقود. و"سوكي" رئيسة حزب "الرابطة القومية من أجل الديمقراطية"، والابنة المحبوبة لبطل الاستقلال البورمي الشهير" أونج سان" الذي تم اغتياله ظلت قيد الإقامة الجبرية خلال أفضل سنوات حياتها. فبعد حصولها على جائزة نوبل للسلام عام 1991، أمضت"سان سوكي" عقدين قيد الإقامة الجبرية بعيداً عن ابنيها وزوجها الذي مات أثناء احتجازها، بسبب نضالها ضد جنرالات الجيش وسعيها من أجل تطبيق الديمقراطية في بلدها. ودخول"سان سوكي" للبرلمان يعد أيضاً تحولاً دارماتيكياً في حياتها. فبعد الإفراج عنها عام 2010 - بعد مقاطعة حزبها للانتخابات التي نظر إليها على أنها لم تكن حرة ولا عادلة- بعامين وقفت"سوكي" أمام رئيس البرلمان لأداء القسم الذي يؤديه الأعضاء عند انضمامهم، والتعهد بدعم وتأييد الدستور. والملفت للنظر أن مراسم أدائها للقسم قد تمت في "نيب ييتاؤ" عاصمة "ميانمار" التي أنشأها الحكام العسكريون السابقون. وقد أدت "سوكي" المراسم وهي تضع تلك الزهور البيضاء المميزة في شعرها وفي صحبتها العشرات من أعضاء حزبها، ممن نجحوا في الانتخابات البرلمانية الفرعية الأخيرة، التي فاز فيها الحزب بـأربعين مقعداً من إجمالي خمسة وأربعين كانت مطروحة للمنافسة. وقد تمت تلك المراسم بعد أسبوع من الاحتجاجات على الدستور، الذي تعهدت "سوكي بالعمل على تغييره نظراً لأنه ينحاز بشدة الى ناحية الجنرالات. ولكن حزبها قرر في نهاية المطاف الانضمام إلى النظام السياسي القائم بدلاً من تجنبه على أساس من المبادئ. وكانت الحجة التي استند إليها أعضاء الحزب للانضمام للبرلمان، هي أنهم سوف يكونون قادرين على إنجاز المزيد من خلال المشاركة في إجراءات البرلمان، بدلاً من مقاطعته. وأدلت" سان سوكي" بحديث عشية اليوم المحدد لأداء القسم قالت فيه إن تركيزها من الآن فصاعداً سينصب على تنفيذ المهام نفسها، التي كانت تقوم بها في الخارج خلال العشرين عاماً الماضية، ولكن من داخل البرلمان. وعلى الرغم من أن دخول "سان سوكي" للبرلمان يعد علامة فارقة في مسيرة ميانمار نحو الديمقراطية، فإنه لن يكون العلامة الفارقة الأخيرة بأي حال من الأحوال. فهناك العديد من التحديات التي تنتظر ميانمار حتى تصبح دولة ديمقراطية كاملة المواصفات. فخلال حملتها الانتخابية وعدت "سان سوكي" بإجراء إصلاح كامل للدستور الذي جرت صياغته من قبل الجنرالات. وهذه المهمة ستكون من الصعوبة بمكان، خصوصاً إذا أُخذ بعين الاعتبار أن البرلمان مهيمن عليه من قبل الأعضاء السابقين للمجلس العسكري الحاكم الذي يقبض على زمام السلطة في البلاد منذ ما يزيد على خمسة عقود. ومن بين المسائل الخلافية المتعلقة بالدستور النص الخاص بحجز ربع عدد مقاعد البرلمان للعسكريين. وعلى الرغم من أن "سان سوكي" وحزبها يمثلون أقلية في البرلمان الذي يبلغ إجمالي عدد المقاعد فيه 644 مقعداً، فإنها تأمل في أن تتمكن من زيادة عدد المقاعد التي يشغلها حزبها بعد الانتخابات التي ستُجرى عام 2015. في الوقت الراهن تتجه كافة العيون نحو تلك المناضلة الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، والتي ينظر إليها الكثيرون في بلدها باعتبارها رمزاً لمستقبل ميانمار، والشخصية القادرة على إحداث تحول جذري فيه. وفي تطور لافت اجتمع الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" بالسيدة "سوكي" في منزلها الكائن في "يانجون" يوم الأحد الماضي، وخلال الاجتماع أثنى"مون" على جهود "سان سوكي" وكفاحها من أجل الديمقراطية في بورما، كما قدم التهنئة إليها بمناسبة انتخابها في البرلمان، ووعد أن المنظمة الأممية ستستمر في دعم عملية تطوير الديمقراطية في البلاد. ويشار إلى أن سعي ميانمار للديمقراطية، قد جرى الاعتراف به كذلك من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي أسقطت العقوبات التي كانت تفرضها على ذلك البلد منذ سنوات. في الماضي، وفي الوقت الذي اتخذت فيه الأمم الغربية موقفاً صارماً ضد حكام ميانمار العسكريين فإن جاراتها الصين والهند استمرتا في تقديم الدعم للنظام العسكري. وعلى الرغم من أن الدول الغربية كانت توجه على الدوام نقداً حاداً للنظام العسكري الحاكم في بورما فإن الصين والهند كانتا تهونا على الفور من شأن هذا النقد، وتستمران في تطوير العلاقات مع ذلك البلد، وكثيراً ما وجهتا الدعوات للجنرالات واستقبالهم في عاصمة كل منهما. وفي الواقع أن الهند دخلت في معركة على النفوذ في ميانمار مع الصين، تواصلت على مدى سنوات طويلة، حيث كان البلدان يتصارعان على موارد النفط والغاز الغنية في ذلك البلد الذي استثمرا فيه استثمارات ضخمة. والهند على وجه الخصوص لها علاقة وطيدة وطويلة مع "سان سوكي"، التي عاشت ودرست في نيودلهي لسنوات. وبعد فوزها في الانتخابات الأخيرة كانت الهند والصين من أوائل الدول التي وجهت الدعوات للسيدة سان سوكي لزيارتهما. والآن ومع عودة ميانمار للديمقراطية، من المتوقع أن يسعى البلدان لزيادة وتيرة التنافس بينهما للحصول على وضع أقوى في هذا البلد. ومع وجود "سان سوكي" في البرلمان، فإنه ليس هناك سوى شك ضئيل في أنها ستعلب دوراً رئيسياً في سياسات ميانمار في المستقبل.