اتفق بنيامين نتنياهو وشاؤول موفاز على تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل، بعد أن كان الأول يحاول الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة لإحراج خصومه والمزايدين عليه شعوراً منه بأنه قادر على تحقيق أكثرية مرتاحة. فجأة ظهر الاتفاق الذي يقود إلى تركيبة يكون فيها قوياً، محققاً توازناً في داخلها في وجه الذين يمارسون سياسة الابتزاز له ومتحكماً في الوقت ذاته بالنسبة الأعلى من القرار فيها. الحدث كما علمتنا التجارب ليس عادياً. فعندما تشكل حكومات من هذا النوع في إسرائيل فهذا يعني أن ثمة استعداداً لأمر ما، يستوجب قراراً وطنياً يجب أن يشارك فيه الجميع ليشكل غطاء وحماية لهذا الأمر! ما هو هذا الأمر؟! حماية داخلية؟ إنقاذ وضع اقتصادي؟ أم حرب في الخارج؟ حرب ضد مَن؟ ضد إيران؟ ضد لبنان مجدداً؟ تحرك في مكان آخر؟ أين؟ كيف؟ لماذا؟ مع إسرائيل كل الاحتمالات واردة. إقدام على حرب أو ابتزاز وإحجام عنها. إسرائيل تريد قبض ثمن كل شيء يجري حولها لتقبض على كل شيء عندها. هي تريد الإمساك بكل مفاصل القضية الفلسطينية لتصفيتها. وللأسف ما يجري اليوم حولها، والمتغيرات الحاصلة في العالم العربي، وتنامي الحالات المذهبية، والتطرف، وغياب الرؤية العربية، وغرق الأنظمة في مشاكلها الداخلية أو في مشاكل بين بعضها البعض، يتيح لإسرائيل أن تبتّز الجميع وأن تهدد الجميع وأن تفعل ما تشاء في التوقيت الذي تراه مناسباً. وللأسف أيضاً فإنها تحقق خطوات متقدمة على هذا الصعيد، استمرار في الاستيطان والتوسع. مصادرة أراضٍ. تهجير فلسطينيين، تبرير قمعهم وضربهم واعتقالهم واغتيالهم وتأكيد على يهودية الدولة. اندفاعة غير مسبوقة في المشروع الإسرائيلي التوسعي على الأرض. "موت رحيم" عبر التجويع المفروض قسراً على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال. إضراب عن الطعام منذ أيام لأصحاب "الأمعاء الخاوية" وإسرائيل لا تقيم اعتباراً لشيء، وتنتهك حقوق الإنسان والسيادة هنا وهناك وتمارس سياسة الترهيب وتقيم جدارات الفصل العنصري في الداخل و"الحماية" على الحدود مع الخارج! والأهم، أنك عندما تقرأ الصحف اليومية أو تتابع شاشات التلفزة، لا مبالغة في القول، إنك قد لا تجد أحياناً خبراً، ولا أقول تحليلاً أو موقفاً أو مقالاً أو تعليقاً عن كل هذا الذي يجري! أليست هذه هي الفرصة الذهبية لإسرائيل؟ العرب خارج دائرة القرار والتأثير، واللعبة لعبة مصير يقرره غيرهم. هم في دائرة الخطر والاستهداف. في مصر، ثمة انشغال داخلي. قلق، وتوتر، عدم استقرار، خطر على الدولة ومؤسساتها. وجيش منشغل في محيط وزارة الدفاع في مواجهات مع الناس. وفي سوريا المشهد أكثر خطورة. انزلقوا بسوريا إلى الحرب الأهلية. كانت سوريا اللاعب أصبحت الملعب واللعبة الدموية . كانت سوريا حجر الزاوية ومركز القرار الأول أصبحت سوريا في الزاوية والقرار خارجها والحمايات المتوافرة لنظامها هي عناصر في بازار السياسة الدولية المفتوح. بني الجيش العربي السوري على أساس عقيدة قتالية عربية لمقاومة إسرائيل فإذا بدباباته وطائراته وأسلحته تدمّر المدن والبلدات السورية. المهجرون السوريون في الداخل بمئات الآلاف. والفرز مذهبي على الأرض. والنازحون إلى الخارج بالآلاف. والحقد يتعمق. والساحة مفتوحة لكل أشكال التدخل. من قبل الذين تدخل بهم النظام في العراق وعادوا ليتحركوا في سوريا . ومن خلال قنوات التهريب والتسريب المفتوحة لهؤلاء منذ سنوات بسياسة تشاطر أو تذاكٍ بدأت ترتد سلباً على أصحابها تماماً كما حصل مع غير سوريا في بدايات تكوين "طالبان" و"الإسلاميين" وغيرهم، والحدث السوري ليس حدثاً عادياً. وماذا تريد إسرائيل أفضل من هذا المشهد السياسي العربي، الخلافات والانقسامات والتهديدات المتبادلة. وانزلاق بسوريا إلى حرب أهلية بسبب إصرار قادة نظامها على الحل الأمني منذ البداية! العناوين السياسية والصحفية والإعلامية تركّز على هذه المسائل أكثر مما تركّز على إسرائيل فمن يتحسب لما يمكن أن تقوم به حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل في ظل تفسّخ الوحدة الوطنية في سوريا. سوريا الموقع الأساسي في المنطقة، وفي ظل إصرار البعض على زعزعة هذه الوحدة والاستقرار في لبنان من خلال نبش قبور الماضي وفتح الذاكرة الجماعية على مآسي الحرب التي عاشها لبنان، والتي كانت في معظم مراحل تطورها وأحداثها جزءاً أساسياً من صراع الدول وتبادل رسائلهم على الأرض اللبنانية وأرضاً للتفاوض في سوق البازار الإقليمي، وكان المستفيد إسرائيل. والثمن الكبير دفعه اللبنانيون. أليس في كل ما يجري خدمة لإسرائيل أو تسهيل لما تنوي القيام به؟ كثيرون لا يدركون أنهم يقعون في دائرة هذا الخطر. تأخذهم الأحقاد وعناصر القوة التي لا تدوم. ويعمي أبصارهم الإدعاء والحقد والغرور. وعندما يصبح المرء أسير موقف أو شعور أو قرار أو قناعة أو سياسة معينة لا يعود قادراً على التفكير بعقلانية والتصرف بمرونة وهذا حال كثيرين اليوم من الذين عاشوا ضد إسرائيل وقاوموها وتربوا ضدها. لكن إدارة الأمور والإداء السياسي لا يعبّران بدقة عن حكمة في التعاطي مع الخطر الإسرائيلي اليوم في داخل بعض دولنا. إسرائيل تستعد لكل الاحتمالات. وإسرائيل تركّز جهودها على حكومات وحدة حقيقية. وثمة في دولنا من أطاح بحكومات الوحدة الوطنية، ليؤدي ذلك إلى تهديد استقرار داخلي وخطر الإطاحة بالوحدة الوطنية ذاتها. وثمة آخرون في ظل القمع والقتل والتهجير وعدم الاستقرار يجرون انتخابات لا يستوعبها عقل ويريدون تركيب حكومة وحدة وطنية لا علاقة لها بهذا الأساس لأن هذه الوحدة ومع هذه الحمايات هي في خطر والإصرار في المقابل قائم على الحل الأمني كما في سوريا تماماً. انتهت الانتخابات الفرنسية. وتسلم بوتين الرئاسة في موسكو، وبقيت الانتخابات الرئاسية الأميركية وأمامنا أشهر حاسمة. خلالها اجتماعات لقمة الثماني وغيرها، وحركة دولية ناشطة. والأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات، وفي هذا التوقيت تأتي حكومة الوحدة الوطنية الإسرائيلية. وإسرائيل تريد أن تبقي كل هذه الأبواب مفتوحة لها وأمامها وكل الخيارات متاحة والثمن سيدفعه الفلسطينيون والعرب. غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني