بين فترة وأخرى تظهر إيران على العالم بممارسات مثيرة للجدل والقلق في الخليج العربي، رغم علمها بأن مثل تلك الممارسات لن تعود عليها بفائدة تذكر على صعيد سياستها الخارجية، فلماذا تقوم بذلك؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها؟ إن إيران تنظر للمسائل بشكل حاد ومفاجئ، وليس أدل على ذلك من قبل زيارة رئيسها لجزيرة "أبوموسى" الإماراتية التي تحتلها إيران، مما يعكس رغبة طهران في البحث عن دور إقليمي تلعبه في إطار استعادة نجمها الذي أفل في المنطقة. فإيران تنظر إلى ذاتها على أنها أهم دول المنطقة، الأمر الذي لا تعرف الأسس التي تقوم عليه سوى الكثافة السكانية الكبيرة والمساحة الجغرافية الممتدة والإمكانيات العسكرية، وهذه أسس غير كافية بالنظر إلى أوضاع إيران السياسية والاقتصادية الداخلية وعلاقاتها المتردية بجيرانها وبالمجتمع الدولي كافة. من هذه المنطلقات غير الواقعية تعتقد إيران أنه لا يمكن لأية ترتيبات إقليمية جماعية في المنطقة، أن تتم أو تنجح، ما لم تكن هي التي تقودها، وهذه فكرة أثبتت التجارب التي مرت بها دول المنطقة أنها غير صحيحة، ولا توجد لها أسس موضوعية سوى أن إيران تقع جغرافياً ضمن إقليم الخليج العربي، أما فيما عدا ذلك فلا توجد أسس موضوعية تجعل إيران قائداً لجيرانها، فهي دولة من دول العالم النامي التي فاتها الكثير من حقائق التنمية العصرية، وتعاني من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لا تزال تحتاج إلى حلول جذرية هي غير قادرة على إيجادها. لكن إيران لها نظرتها الخاصة تجاه هذه المسألة، ويعود السبب في ذلك إلى أنه بوصول الأمور في الخليج العربي إلى ما وصلت إليه فيما يتعلق بتقلص الدور العراقي العسكري والبنية التحتية العراقية. وما نتج عن ذلك من تحجيم شبه كامل لدور العراق في شؤون المنطقة وانسحاب الولايات المتحدة العسكري من العراق، ونظرة الاستعلاء التي تنظر بها إيران إلى دول مجلس التعاون، فإن إيران تريد الاستفادة من ذلك لتحقيق مصالح قومية إيرانية ضيقة، بعيداً عن أرض الواقع، وترى أن الفرصة سانحة أمامها، لأن ميزان القوى العسكري بمفاهيمه التقليدية مختل ويميل في صالحها. ومن جانب آخر، تلعب الجوانب الاقتصادية المتعلقة بالنفط والغاز دوراً فيما تقوم به إيران من ممارسات وتكسب أهمية قصوى لديها، وتنعكس تلك الأهمية على السياسة الخارجية الإيرانية بشكل واضح. وعلى ضوء ما تفرضه الولايات المتحدة من مقاطعة اقتصادية على إيران حالياً، وعزوفها والعديد من حلفائها الآخرين، عن استيراد النفط والغاز الإيراني، تريد طهران أن تخلق أزمة نفطية عالمية عن طريق الضغط على الدول المنتجة في الخليج العربي، للتقليل من الكميات التي تنتجها، لكي يقل المعروض في السوق العالمية، ومن ثم تنشأ مشكلة يصبح معها العالم في حاجة إلى عودة النفط الإيراني إلى الأسواق مرة أخرى. إيران تعتقد بأن إنتاج دول الخليج العربية من النفط والغاز يؤدي إلى إغراق الأسواق العالمية، ما يؤدي إلى التعويض عن النفط الإيراني المقاطع وإلى انخفاض الأسعار وتأثر إيران بكل ذلك سلباً. لكن في المحصلة النهائية، جميع تلك الممارسات لا تؤدي سوى إلى المزيد من الاحتقان والعزلة الإيرانية واستياء أفراد المجتمع الدولي الشديد من ممارساتها والابتعاد عن التعامل معها، وهذا أمر لا يصب في مصلحة المصالح الوطنية الإيرانية على المدى البعيد. فهل تدرك إيران من ذلك وتتجه نحو جيرانها بطرق أكثر تصالحاً وإيجابية تحقق لها ولشعبها الكثير من المكاسب مستقبلاً؟ فجيران إيران عرب الخليج، لا يريدون لإيران سوى الخير وأياديهم ممدودة لها بشكل مستمر لانتشالها وإنقاذها من أوضاع تشدها بشكل قوي نحو الخسارة أكثر مما تدفع بها نحو الربح.