تجتهد دولة الإمارات منذ نشأتها من أجل الوصول إلى أعلى مستويات الأمن الغذائي على أراضيها، وتعتبر أن الأمن الغذائي مكوّن أصيل وجوهري ضمن مكوّنات الأمن المجتمعي والوطني، وواحد من المطالب الأساسية لضمان استقرار الاقتصاد الوطني بشكل عام، وتبذل الدولة من أجل ذلك الكثير من الجهود، بداية بالسّعي إلى التغلّب على محدودية الموارد الطبيعية اللازمة للزراعة على المستوى المحلي، من خلال استصلاح الأراضي ومعالجة مشكلة محدودية الموارد المائية بتحلية مياه البحر والاستغلال الأمثل للمياه الجوفية وتطوير شبكات الرّي وتطوير أساليبه واستجلاب تكنولوجيات الرّي الأكثر تطوّراً على مستوى العالم، بخلاف تنظيم حملات التوعية المجتمعية بهدف ترشيد استهلاك المياه وتطوير الطرق الزراعية وحسن إدارة الثروة الحيوانية، كما تطرّقت الدولة إلى تكوين مخزون استراتيجي من الأغذية لضمان توافرها بكميات تكفي لفترات آمنة في المستقبل، وإلى جانب هذا وذاك اهتمت الدولة بالدخول في شراكات لتنفيذ مشروعات زراعية على أراضي الدول ذات الموارد الزراعية الوفيرة لتحقيق النفع المتبادل وتحسين مؤشرات الأمن الغذائي. وقد تكللت الجهود التي تبذلها دولة الإمارات بالنجاح وتحسّنت معدلات الأمن الغذائي لديها بشكل ملحوظ خلال الفترات الماضية، وقد تمّ رصد هذا التحسّن من خلال المؤشرات التي نشرت من طرف مؤسسة "إيه آر" المنظمة لمؤتمر "الملتقى العربي للصناعات الغذائية"، حيث أوضحت البيانات التي نشرتها تلك المؤسسة ارتفاع نسبة الاكتفاء الذاتي من الأغذية إلى نحو 38 في المئة في نهاية الربع الأول من عام 2012، بما يوفر للاقتصاد الوطني ما قيمته 15 مليار درهم، يمكن توجيهها إلى قطاعات أخرى من شأنها تحسين مؤشرات التنمية الشاملة في الدولة بشكل تدريجي مع مرور الزمن. ووفقاً لهذه المؤشرات يمكن القول إن السياسات التي تتبعها دولة الإمارات استطاعت أن تضعها على بداية الطريق السليم في ما يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الغذائية، هذا على الرغم من أنها تنتمي إلى منطقة الخليج العربية التي تعاني من تدني مستويات هذا الاكتفاء مقارنة بالعديد من المناطق حول العالم، فهي منطقة تعاني من محدودية شديدة في الموارد الزراعية، الأمر الذي يضطرها إلى استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج، وإنفاق ما يقدّر بنحو 50 مليار درهم (13,5 مليار دولار) في السنة وفقاً لـ"الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي". يعبّر الأداء الإماراتي المتميّز على مستوى منطقة الخليج العربية وبالرغم من محدودية مواردها الزراعية عن كون تجربتها تعدّ من التجارب الصاعدة بقوة في مجال الأمن الغذائي، التي يمكن الاستفادة منها بالنسبة لباقي دول المنطقة الخليجية بشكل خاص والدول العربية الأخرى بشكل عام، عبر الدخول معها في شراكات لتبادل الخبرات، وكذلك الدخول معها في استثمارات غذائية ثنائية أو إقليمية من أجل تعزيز الأمن الغذائي على مستوى العالم العربي، وهو التوجّه الذي تتبناه الدولة في المرحلة الراهنة، عبر مساعيها الحثيثة للتنسيق مع باقي دول المنطقة في هذا الشأن، وهو أيضاً التوجّه الذي من المرجّح أن يستمر خلال الفترات المقبلة، بما يعود بالنفع على دول المنطقة جميعها. ــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.