احتفلت أميركا قبل بضعة أسابيع بالذكرى السنوية الأولى لمقتل بن لادن خلال الهجوم الذي نفذته القوات الخاصة بأوامر مباشرة من أوباما. ولأن ملابسات العملية بتفاصيلها لم تكشف بعد لتظل العديد من الأسرار طي الكتمان، فقد ظهرت بعض المحاولات الساعية إلى تتبع ما جرى خلال ذلك اليوم الذي أسدل الستار على عقد كامل من الحرب الأميركية على الإرهاب عندما قُتل بن لادن، ومن تلك المحاولات الكتاب الذي نعرضه هنا، "المطاردة: عشر سنوات من البحث عن بن لادن"، لمؤلفه محلل الأمن القومي بقناة "سي إن إن"، بيتر بيرجن، المعروف بمؤلفاته العديدة حول "القاعدة" وزعيمها وبلقائه بن لادن. يسعى بيرجن إلى إعادة تشكيل اللحظات التي سبقت مقتل بن لادن ورسم المسار الذي سلكته أجهزة الاستخبارات الأميركية بدءاً من هجمات 11 سبتمبر، وانتهاء بمصرع بن لادن على أيدي القوات الأميركية الخاصة، وعلى امتداد الرحلة الطويلة التي استمرت أكثر من عقد تخللتها محاولات للاقتراب من مخبأ بن لادن. وقد اعتمد الكاتب في إعادة رسم المسار على ما يعرفه شخصياً عن زعيم "القاعدة"، وعلى علاقاته مع صناع القرار داخل الاستخبارات الأميركية، إضافة إلى ما اطلع عليه من وثائق احتجزت في مكان بن لادن، وما كشفه موقع ويكيليكس من مراسلات بين المسؤولين الأميركيين حول مطاردة بن لادن طيلة السنوات الماضية. لكن بيرجن يبدأ بالنقاش الذي دار في البيت الأبيض بين أوباما وكبار مساعديه في الأمن القومي والاستخبارات المركزية ووزرائه المقربين حول الطريقة الأفضل لضرب بن لادن بعد اكتشاف مقر إقامته، بين مدافع عن فكرة الإغارة على المقر، ومشكك في صحة المعلومات المتعلقة بموجود بن لادن داخل ذلك المقر. لكن قبل التوصل إلى مخبئ المطلوب الأول لدى أميركا، سعى الكاتب إلى تتبع الطريق التي أوصلت المسؤولين الأمنيين إلى بن لادن منذ هروبه في ديسمبر 2001 من تورا بورا وإفلاته من محاصرة عناصر الاستخبارات المركزية للمنطقة، مشيراً إلى المحطات الأساسية التي قادت إلى لحظة النهاية، بدءاً بالعام 2006 عندما شرع المسؤولون في استبعاد الاحتمالات غير المرجحة وشطبها من قائمة أماكن المطاردة مثل استبعاد فكرة انتقال بن لادن إلى بلد آخر، كاليمن أو غيره، ومغادرته للمناطق التي يعرفها جيداً وتوفر له الحماية في أفغانستان وباكستان لينحصر البحث في البلدين، ثم بعد ذلك جاءت مرحلة إقصاء الفكرة القائلة بأن زعيم "القاعدة" يعيش في أحد الكهوف. وبحلول 2009 أصبح في حكم المؤكد لدى محللي الاستخبارات أن بن لادن يعيش في محيط حضري، ومن خلال قراءتهم لسيرته وتحليلهم لميوله الخاصة، تبين أن بن لادن المرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسرته وبزوجاته سيكون على الأرجح في مكان ما يضمهم جميعاً تحت سقف واحد. لكن الاختراق الحقيقي حدث عندما تم رصد مراسل بن لادن الخاص، أبو أحمد الكويتي، الذي قاد الاستخبارات إلى مقر تواجده في أبوت أباد الباكستانية. فقد انتبه المحققون لإصرار خالد الشيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر والمعتقل في جونتنامو، على التقليل من أهمية أبو أحمد الكويتي، وحرصه على نفي أهيمته، واتفاق باقي كبار قادة "القاعدة" المعتقلين لدى أميركا على هذا الأمر، الشيء الذي أثار شكوك المحققين ودفعهم، عكس ما كان يريد خالد الشيخ، إلى التركيز عليه. وبعدما تلقى أبو أحمد الكويتي، مكالمة من أحد أصدقائه كان مراقباً من الاستخبارات المركزية، في أحد بلدان الخليج العربي، تم رصد الكويتي ومراقبة جميع تحركاته قبل أن يوصلهم في النهاية إلى مخبأ بن لادن. ويتطرق الكاتب إلى الجدل الذي دار في أورقة البيت الأبيض حول السبيل الأمثل لشن الهجوم، بين إلقاء قنبلة B-2 على المقر ومحوه تماماً مع ما سيترتب على ذلك من إزالة أي دليل لقتل بن لادن وتدمير معلومات ثمينة، وبين إرسال فريق القوات الخاصة الذي فاجأ بن لادن في غرفة نومه. فقد أمر بن لادن زوجاته بعدم إشعال النور، وهو خطأ منح القوات الخاصة غطاءً للتحرك، ثم جاء الخطأ الثاني عندما نزل من الدور الثالث الذي كان يقيم فيه إلى الدور الأرضي دون تأمين ظهره ليعود صاعداً إلى الأعلى، حيث لقي مصرعه، لتبقى الصورة الأخيرة التي رسمها المؤلف لبن لادن باعتباره ذلك الرجل الذي تقدم به السن وتتخبط منظمته في مشاكل كبيرة دفعته للتفكير في تغيير اسمها، بعدما أدرك أن ألقها بدأ يخبو مع موجة الربيع العربي وإمكانية التغيير السلمي. زهير الكساب ------ الكتاب: المطاردة: عشر سنوات من البحث عن بن لادن المؤلف: بيتر بيرجن الناشر: كراون بابليشرز تاريخ النشر: 2012