أهمية المبادرة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تحدثت عنها في مقالي السابق، وقد جاءت ضمن رؤية الإمارات 2021 الهادفة لتعزيز مكانة اللغة العربية، أقول إن أهمية هذه المبادرة كونها جاءت في وقت تعاني فيه لغتنا العربية من إشكاليات عديدة، حيث غابت عن الكثير من المؤسسات، وأصبح خطاب الشارع أجنبياً، والطلاب يعانون ضعفاً في لغتهم الأم، والشكوى متواصلة من الضعف الإملائي في مراحل التعليم... مما يهدد الهوية، واللغة في أساسها. لذلك فإن أهمية هذه المبادرة كونها تلتقي مع مبادرة أخرى طرحتها الحكومة في عام 2008 وتضمنت إنشاء مجلس أعلى للحفاظ على اللغة العربية تابع مباشرة لمجلس الوزراء تكون مهامه وضع السياسات الرامية إلى الحفاظ على اللغة العربية ومراقبة حالتها الراهنة، ورفع التقارير بشأنها، والإشراف على تعريب المصطلحات الأجنبية اللازمة لجميع الحقول (الحالية والجديدة)، وإطلاق حملات التوعية، وتنظيم المسابقات الداعمة للعربية، وتنظيم جائزة سنوية تمنح للجهود المبذولة لدعم اللغة العربية والحفاظ عليها، وإلزامية تعليم اللغة العربية في جميع المدارس غير العربية، ودعم تأليف كتب اللغة العربية لغير الناطقين بها، وتطبيق مقرراتها على أبناء الجاليات المقيمة، ودعم الجهود الرامية إلى تعريب المنشورات الإلكترونية، وتطوير البرمجيات العربية، وتشجيع البحوث والدراسات التي تعالج وضع اللغة العربية، وإنشاء مراكز متخصصة ضمن الجامعات، وإنجاز معجم عربي شامل، وإصدار مرسوم يلزم باستخدام اللغة العربية في جميع المشاريع الحكومية وشبه الحكومية. كل ما أتمناه أن تتحول مثل هذه المبادرات إلى مشاريع واستراتيجيات فاعلة وأن يتم تفعيلها على أرض الواقع وتطويرها وجعلها استراتيجيات وطنية دائمة قادرة على إعادة الهيبة للغة العربية، وأن يكون موضوع ترسيخ ونشر وتصدير اللغة والثقافة العربيتين جزءاً مهماً من هذه الاستراتيجية، لأن اللغة جزء أساسي من مكونات الدولة، خاصة بعد أن أصبح معيار التنافس عالمياً ويرتكز على القوة "اللغوية الثقافية". كما ينبغي زيادة الشروط الملزمة للشركات الأجنبية، ومن ذلك أن تتحمل هذه الشركات مهمة تفعيل الحفاظ على اللغة العربية، وتصدير منتجاتها الثقافية، ودفع اللغة العربية إلى العالم، وأن يعاد النظر في الانتشار الكثيف للمدارس والجامعات الأجنبية، وأن يطرح للفحص مجدداً قرار التدريس باللغة الإنجليزية في جامعاتنا الحكومية وفي مدارس التعليم العام، خاصة بعد أن أثبتت الدراسات الاجتماعية والتربوية والنفسية ضرره على التعليم الوطني واللغة العربية، لأن اللغة كما يؤكد الباحثون تمثل ثروة اقتصادية، وإن تراكم المعرفة بها يعادل تراكم الثروة المادية فوق الأرض وفي باطنها وداخل خزائن البنوك. يؤكد ذلك عالم الاقتصاد الأميركي "روبرت لولوا" في نظريته "النمو الجديد"، حيث يوضح أن التعليم باللغة الأصلية يعد استثماراً مثالياً طويل الأجل تزيد فوائده كلما أتقنت مؤسسات التعليم حسن إدارته واستشراف أهميته. ويكفي للتدليل على هذه الأهمية مثال واحد هو ما قاله رئيس الوزراء البريطاني السابق بروان عندما كان وزيراً للمالية، من أن بريطانيا يمكنها أن تحقق التوازن التجاري لوارداتها المتزايدة من الأجهزة الكهربائية المنزلية والأزياء والبضائع العينية الأخرى... بتصدير شيء واحد هو اللغة الإنجليزية.