ما حصل لفرنسا بتولي هولاند (اليساري) أو الاشتراكي، لم يحصل إلا قبل قرابة عقدين في عهد ميتران، فلم تبق أوروبا على حالها، لأن التغيير جزء من تجديد الحياة السياسية فيها، التغيير كان الشعار الرئيسي للحملة الانتخابية الفرنسية، وقبل ثلاثة أعوام من الآن كان شعاراً لأوباما أيضاً. ليس في الحياة السياسية مكان للتغيير من أجل التغيير، وإلا كانت النتيجة صفراً، وليس هناك معادلة صفرية تحكم الشعوب في أميركا وأوروبا، لأنها لن تقبل بذلك حتى لو اكتشف الأمر فلن يمر بهذه الطريقة، لأنها تعلم جيداً أن سنوات التغيير قادمة، وهي قصيرة بالنسبة لأي دورة سياسية تمر بها المجتمعات الديمقراطية. الأرضية الأوروبية لا تقبل بالركود وإلا عاشت الشعوب دوامة من الأزمات تلو الأخرى، دون الخروج منها بالتقدم سياسيّاً، أو حتى اقتصاديّاً وعلميّاً. السياسة في أوروبا لا تقف عقبة في طريق تقدم المجتمع في المجالات الأخرى، فلم نسمع يوماً أن انتخاب رئيس معين أوقف في المقابل إنتاج فيلم سينمائي، أو جرَّم المشاركين في أحداثه، فالحياة بشكل عام تضج بالحراك هناك دون أن تنال السياسة من الثقافة شيئاً وإلا حلت الكارثة، وتحول المجتمع إلى بركة راكدة يتربى حولها كل مؤذٍ وغير مفيد. في العالم الغربي هناك يمين ويسار ووسط، وما بين ذلك من اتجاهات للسياسة تتأقلم مع ظروف المجتمع، وهو ما يلقي بمزيد من الديناميكية علي أي تغيير قد يمس صلب المجتمع. جاءت ميركل من ألمانيا الشرقية على سدة الحكم في ألمانيا الموحدة وقد اعتبر ذلك معجزة سياسية، وجاء أوباما رئيساً لأميركا لكسر حاجز اللون الذي حُمِّل يوماً حمولة العنصرية البغيضة، واعتبر ذلك انتصاراً لأميركا المواطَنة التي تذيب الجميع في بوتقة واحدة. ومع ذلك كله لا ننكر أن في أوروبا ومعها أميركا قضايا خلافية شائكة يدخل اليمين في أقصى التطرف في أسلوب المعالجة، ففرنسا اليمين المتطرف مثلاً تريد التخلص من المهاجرين على أرضها، وهو الأمر الذي يرفضه هولاند في طرحه، وما يشبه هذه المشكلة قد يطفو على السطح في مجتمع أوروبي ويخفت أحياناً في مجتمعات أخرى، ولكن عيب السياسة هناك في استغلال ذلك في مواسم الانتخابات لفرض الفوز والكسب على حسابها، إلا أن الزعيم الفرد هناك لا يملك البت في هذه القضايا منفرداً، لأن المؤسسات في النهاية هي صاحبة القرار حسب المصلحة الوطنية لكل دولة على حدة، وقد تأخذ بعض القضايا عقوداً من الشد والجذب، ولا يصدر فيها رأي قاطع. ففرنسا اليوم ليست كل أوروبا، إلا أنها أحد الأعمدة التي تؤثر في منظومة الاتحاد الأوروبي ككل، خاصة بعد تقاربها مع ألمانيا قائدة السفينة الأوروبية في هذه اللحظة الحرجة لأزمة الدول التي ترى في حلول الصندوق المالي الأوروبي سلم نجاة لها في المدى المنظور، كاليونان وغيرها ممن وقعوا ضحية للأزمة المالية العالمية. واختبار هولاند الأساسي بعد فوزه بالرئاسة اختبار لمدى قدرته على العمل ضمن المنظومة الأوروبية، وبما لا يتعارض مع المصالح الفرنسية الداخلية. فأوروبا تغيرت بعد أن أصبحت اتحاداً، فأي تغيير في أحد أعضائها لابد أنه يؤثر على الجميع، فالكل الأوروبي هنا يصب في مصلحة الجزء من باب التكامل وليس التآكل، وفي النهاية أوروبا تسعى إلى ضمان مصالحها في خضم هذا التغيير المستمر.