تشير الدلائل كافة إلى أن قضية توفير فرص العمل في البلدان العربية، بما فيها الخليجية، ستحتل رأس الأولويات خلال العقد القادم، حيث تحتاج بلدان المنطقة، وفق دراسة للبنك الدولي، إلى توفير 100 مليون فرصة حتى عام 2025. ويشكل ذلك تحدياً حقيقياً مع زيادة أعداد العاطلين وما يترتب عليها من تداعيات اقتصادية واجتماعية يمكن تفاديها من خلال إعادة النظر في السياسات الاقتصادية السابقة، بما في ذلك سياسات التوظيف والاستثمار، والهيكلة الاقتصادية، وكيفية التعامل مع الاستثمارات الأجنبية. ومع أن هذه المسائل مترابطة وتقف على الدرجة نفسها من الأهمية، فإنها بحاجة لإعادة نظر لتتناسب والتغيرات التي طالت البنية الاقتصادية في البلدان الخليجية. لقد اعتمدت سياسات التوظيف في دول مجلس التعاون الخليجي في العقود الأربعة الماضية على أجهزة الدولة بصورة أساسية، وبالأخص ما يتعلق بتوظيف المواطنين الخليجيين، حيث قامت الدولة بدور فاعل في توفير فرص العمل، تلك الأجهزة كانت بحاجة ماسة في بداية تكوينها الحديث لمختلف التخصصات العلمية والمهنية، حيث لم تشكل مسألة استيعاب آلاف الباحثين عن عمل قضية صعبة، بل على العكس من ذلك، اضطرت تلك الأجهزة لاستقطاب آلاف من العاملين الأجانب، وذلك بسبب النمو السريع الذي تطلب بدوره تمدداً مماثلاً في الإدارات الحكومية. ومع استكمال معظم مشاريع البنية التحتية وازدياد أعداد المواطنين وبناء الهيكل الأساسي للجهاز الحكومي، إضافة إلى الاعتماد بصورة متزايدة على التقنيات الحديثة في الإدارة، بما في ذلك اتساع الخدمات المقدمة عن طريق شبكة الحكومة الإلكترونية والتي حققت فيها دول التعاون تقدماً مشهوداً سبقت به الكثير من بلدان المنطقة... فإن القدرة الاستيعابية للتوظيف في الأجهزة الحكومية تقلصت خلال السنوات القليلة الماضية. ويتزامن ذلك مع ازدياد أعداد المواطنين الباحثين عن عمل من أصحاب الكفاءات وخريجي الجامعات، مما أدى إلى وجود بطالة في بعض بلدان المجلس وبطالة مقنعة في بلدان أخرى ناجمة عن تضخم أجهزة الدولة بالعمالة الفائضة والتي قد تشكل عبئاً على الإنفاق العام أو على أنظمة التقاعد والتأمينات الاجتماعية في حالة خروج أعداد كبيرة ضمن "التقاعد المبكر"، تلك الظاهرة التي أصبحت ملحوظة في الآونة الأخيرة والتي تفوت الاستفادة من مؤهلات محلية على درجة كبيرة من الكفاءة. لذا يمكن القول، إن هناك تفاوتاً كبيراً بين طبيعة التنمية القادمة التي ستعطي دوراً أكبر للقطاع الخاص وبين سياسات التوظيف المعتمدة على الأجهزة الرسمية والتي لا يمكنها استيعاب الأعداد القادمة من الباحثين عن عمل، حيث يشكل ذلك أحد أهم تحديات التنمية في البلدان الخليجية خلال السنوات القليلة القادمة. لذلك، فإن الآمال معلقة على القطاع الخاص في دول المجلس لاستيعاب الباحثين عن عمل، لا سيما أن مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي غير النفطي تتزايد سنة بعد أخرى. ولأنه يتعذر فرض التوظيف دون قناعة القطاع الخاص وتعاونه، فإن سن القوانين والأنظمة الداعمة لهذا التوجه، وبالتعاون مع غرف التجارة والصناعة، قد يساهم في إيجاد حلول لهذه القضية المهمة، خصوصاً أن هناك تجارب في دول المجلس كافة، إلا أنها تجارب إما غير متكاملة أو اعتمدت في نهاية المطاف على التوظيف في القطاع العام، مما يتطلب إدماج هذه التجارب والخروج برؤية موحدة وبالتنسيق مع القطاع الخاص الخليجي، مما يفيد في إيجاد حلول عملية وتحقيق بعض التقدم في السنوات القادمة.