ينفق العالم في الوقت الحالي ما يقدّر بنحو 210 مليارات دولار كاستثمارات صافية في مشروعات الطاقة المتجدّدة، وينمو الاستثمار العالمي في هذه الأنواع غير التقليديّة من الطاقة بمعدل يصل إلى 39 في المئة سنوياً، كما تشير البيانات الخاصة بـ"برنامج الأمم المتحدة للبيئة"، وهو ما يشير إلى الاهتمام العالمي بهذا القطاع، وبالرغبة الكبيرة لدى الدول في التحول إلى عصر الطاقة المتجددة، باعتبارها الأساس الذي تبنى عليه التنمية المستدامة، خصوصاً أنها تعتمد من ناحية على موارد متجددة وغير قابلة للنضوب، كما أنها تحقق من ناحية أخرى شروط حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على التوازن البيئي، إضافة إلى محاصرة الظواهر البيئية السلبية كظاهرة الاحتباس الحراري، وما يرتبط بها من ذوبان الجليد وغمر مياه البحار مساحات كبيرة من اليابسة المتاخمة للشواطئ، وبالتالي ضياع الكثير من الموارد الاقتصادية. ورغم أن هناك أعداداً كبيرة من الدول تخوض غمار المنافسة في هذا الشأن منذ عقود، فإن الدول ذات التجارب الناجحة ليست بالكثيرة، وعلى المستوى الدولي يمكن الإشارة إلى تجارب دول مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وعلى المستوى الإقليمي تعد تجربة دولة الإمارات واحدة من التجارب الأبرز، إن لم تكن هي الأبرز على الإطلاق، بل إنها تنافس على المستوى العالمي، وقد نجحت بالفعل، بفضل جهودها الحثيثة في هذا الشأن، في أن تنتزع لنفسها حق استضافة المقر الدائم لـ"الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" (إيرينا)، رغم أنها خاضت منافسة قوية في مواجهة ألمانيا. ورغم تعدد المبادرات التي تبنتها دولة الإمارات في اتجاه التحول إلى عصر الطاقة المتجددة، وهي المبادرات التي لا يمكن التقليل من أهميتها دون استثناء، فإن مشروع "مصدر" يمثل الملمح الرئيسي والنقطة الأكثر إشراقاً في مسيرتها في هذا الاتجاه الواعد، وقد وصفت صحيفة "كوريا تايمز" هذا المشروع مؤخراً بأنه "استكمال لمعجزة الإمارات"، في إشارة منها بالطبع إلى أن النموذج التنموي في دولة الإمارات والنجاح الذي حققته بمنزلة المعجزة، خصوصاً إذا تم قياس حجم هذا النجاح بحجم الإمكانات المتاحة، وبالبيئة الصحراوية التي تحولت بفضل الطموح والجهود والمثابرة إلى واحة تنموية كاملة المعالم، كما أنه يمثل معجزة إذا قرن بحجم المنافسة العالمية والإقليمية في الجانب التنموي بشكل عام، وفي مجال الطاقة المتجددة بشكل خاص. إن وجود مدينة كاملة تعتمد على الطاقة الشمسية بشكل تام كمدينة "مصدر" في أبوظبي التي لا تستخدم أياً من مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز وفحم، وبالتالي لا تنتج أي مخلفات بيئية مرتبطة بالطاقة، يعد بمنزلة المعجزة أيضاً، في الوقت الذي ما زالت فيه دول عديدة حول العالم، بما فيها الدول المتقدمة ذات الباع الطويل في التحول إلى عصر الطاقة المتجددة، لم تصل إلى إدراك مثل هذا الهدف الطموح، وبالتالي فإن وجود مثل هذه المدينة على أرض الإمارات يضعها في السبق متقدمةً على كثير من دول العالم المتقدم على الطريق نحو الطاقة النظيفة بدايةً، ونحو التنمية المستدامة نهايةً. ــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.