أقر مجلس الأمة الكويتي بأغلبية أعضائه -40 نائباً مقابل اعتراض 6 نواب بينهم 5 من الشيعة وليبرالي واحد- قانوناً يغلظ عقوبة المسيء إلى الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل، وزوجات الرسول أمهات المؤمنين أو الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، إلى درجة الإعدام. وفي مصر الثورة أيدت محكمة الاستئناف حكماً بسجن الفنان عادل إمام، ثلاثة أشهر، بتهمة ازدراء الأديان في عدد من أفلامه السينمائية التي تناول فيها شخصية الإسلاميين المتطرفين مثل "طيور الظلام" و"الإرهاب والكباب" ومسرحية "الزعيم". وكما أثار قرار البرلمان الكويتي العديد من الانتقادات من قبل المنظمات الحقوقية والمثقفين ونشطاء حقوق الإنسان، من أبرزهم الدكتور غانم النجار، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت والحقوقي المعروف، الذي صرح بأنه قانون شاذ وعبث تشريعي ولا أصل له في الإسلام. وأضاف: نحن في بلد مسلم كله ولا يوجد أحد يوافق أو يقبل الإساءة إلى الذات الإلهية ومقام النبوة أو ازدراء الأديان والسخرية منها أياً كانت هذه الأديان، فهذا موضوع محسوم ولا خلاف حوله، لكن العالم اليوم يتجه إلى إلغاء عقوبة الإعدام لأن الحق في الحياة لا يجب أن يتم إعطاؤه لسلطة سياسية كما لا توجد سلطة سياسية في العالم تستطيع ضمان صدقيتها وعدم تحيزها وتلاعبها بالاندفاع نحو الإعدام وفقاً لمبررات دينية وسياسية وعقائدية أو وطنية. كذلك أثار الحكم بحبس الفنان عادل إمام استياءً شعبياً عاماً في مصر ورفضه معظم المثقفين المصريين بالرغم من تأكيدهم المستمر لاحترام أحكام القضاء المصري وثقتهم التامة في عدالة القضاة ونزاهتهم العالية، ولذلك فقد أملوا وتوقعوا سقوط هذا الحكم لدى محكمة النقض التي تمثل المرحلة الأخيرة في درجات التقاضي ويكون حكمها نهائياً وواجب التنفيذ. من حق الناس ومن حق محبي عادل إمام أن يتساءلوا: كيف أساء عادل إمام إلى الدين الإسلامي؟ وما مصلحته في ذلك؟ ولماذا يسعى إلى مصادمة دين الجماهير المصرية والعربية والإسلامية عامة، وهو الفنان الجماهيري؟ وهل حقاً أساء عادل إمام إلى الإسلام؟ لقد استمتعنا واستمتعت الجماهير الغفيرة من المحيط إلى الخليج بمشاهدة أفلامه ومسرحياته، وتذوقت بهجة الفن الراقي وارتفعت وجدانياً وإنسانياً، فلم نجد أية إساءة أو مساساً بالدين ومقدساته، ولم نجد أي ازدراء أو سخرية أو انتقاص من علماء الدين الأجلاء أو من رموزه المقدرين، فهل نكذب عقولنا وأبصارنا ووجداننا؟! نعم وجدنا كشفاً وفضحاً وتعرية لهؤلاء الذين اتخذوا من الدين غطاء ووسيلة لمآرب وغايات بعيدة عن الدين ومقاصده، شاهدنا نقداً لسلوكيات وممارسات شخصيات أطلقت لحى وادعت تقى وأرادت خداع الناس لأهداف تجارية أو لأغراض سياسية وأيديولوجيات متطرفة ومهلكة، وهذه وظيفة الفن الأساسية في أن ترفع وعي الناس وتحصنهم وتبصرهم في مواجهة طروحات التعصب والتطرف والكراهية والتضليل، فهل يحاكم ويعاقب من أراد إصلاح المجتمع عن طريق الفن؟! الكل مجمع على أن عادل إمام وأفلامه ومسرحياته، بما تضمنته من نقد، إنما انصبت بشكل أساسي على سلوكيات فئة من أدعياء الدين ولم تمس الدين الإسلامي لا من قريب ولا من بعيد، ففنه يدخل في إطار النقد البناء لرجل الدين المنحرف وليس للدين بأي حال من الأحوال وليس أيضاً لعامة رجال الدين الذين يحظون بتقدير وتبجيل المجتمعات العربية والإسلامية، فهل انتقاد بعض رجال الدين بسبب مسلكياتهم المخالفة للدين، يعد انتقاداً للدين ورجاله؟! من يقول ذلك ويتمسك به إنما يريد تحصين رجال الدين كلهم ويفترض عدالتهم المطلقة ويسعى لإضفاء القدسية عليهم، وهذا أمر لم يمنحه الله تعالى لهم! كما يريد هؤلاء أن يجعلوا من رجال الدين طبقة اجتماعية لا تمس وغير خاضعة للرقابة والنقد والتقويم، وهذا يجعلهم بمثابة أوصياء على المجتمع وهو أخطر ما يهدد مستقبل المجتمعات العربية. إن الحركات الاحتجاجية التي أفرزها ما يسمى "الربيع العربي" إنما كانت أساساً موجهة ضد الأوصياء السياسيين والدينيين الذين أرادوا فرض إرادتهم على المجتمع ومصادرة الرأي العام، فهل يريد هؤلاء عودة الأوصياء الدينيين؟! ثم دعونا نتساءل: ما مدى مسؤولية عادل إمام عن مضامين أفلامه ومسرحياته سلباً أو إيجاباً؟ إن المستقر قانوناً وقضاءً ومنطقاً وعرفاً، أن الممثل مجرد مؤدٍ لدور مرسوم، هذا الدور رسمه ووضعه مؤلف وصانع العمل الفني أساساً، بمعنى أن الممثل غير مسؤول عن الأفكار والآراء التي يطرحها عبر تجسيده للشخصيات المختلفة، وإنما المسؤولية الأساسية على المؤلف صاحب النص والمنتج، فالممثل كما يقول الناقد السينمائي الدكتور رفيق الصبان، مجرد "مشخصاتي" وأداة يوظفها مخرج ومؤلف، وبذلك فهو غير مسؤول عن أفكار غيره. وحتى إذا نظرنا إلى مجمل مضامين وطروحات مؤلفي ومخرجي أفلام ومسرحيات عادل إمام، فإنها كلها تنصب على تبرئة الإسلام من الإرهاب والفساد والتطرف. هناك تفريق حاسم في هذه الأعمال الفنية بين تعاليم وتوجيهات الإسلام وما ينادي به ويحرض عليه المتطرفون، فالمعركة مع الإرهاب وليست مع الإسلام، والإسلام -يقيناً- أعز من أن يتم ازدراؤه من أي شخص أياً كان، وليس هذا دفاعاً عن عادل إمام وإنما دفاعاً عن الحقيقة والعقلانية والفهم الديني السليم. وإذا كان عادل إمام مسؤولاً عن طروحات أفلامه ومسرحياته فلنحاسب كافة الفنانين عنها، هذا المنطق العجيب يعني أن الممثل الذي يقوم بأداء دور أحد كفار قريش أنه قد صبا وخرج عن الإسلام! كما تساءل الدكتور سعد هجرس متعجباً: يا أيها السادة إنَّ المستقر ديناً وشرعاً أنَّ ناقل الكفر ليس بكافر، والممثل إنما هو ناقل لأفكار الآخرين، فكيف يكون مسؤولاً، ثم لماذا لا نحاسب الرقابة الفنية التي أجازت العمل؟!