ليس كل من يتخصص في الإعلام سيصبح بالضرورة إعلاميّاً موهوباً، وليس كل إعلامي موهوب ينبغي أن يكون قد درس الإعلام وتخصص فيه في الجامعة. ذلك لأن الإعلام موهبة وحرفة تتطلب من ممارسها أن يمتلك أدواتها وينميها ويصقلها. وليس بالضرورة أن يكون التخصص الأكاديمي -على رغم أهميته- صكاً يضمن لحامله الإبداع والنجومية الإعلامية. والدليل على ذلك أن بعض أشهر الإعلاميين من صحفيين ومقدمين تلفزيونيين لم تكن دراستهم الجامعية في مجال الإعلام، فمنهم من تخرج من تخصصات العلوم الاجتماعية الأخرى أو التخصصات الأدبية أو من تخصص في الإدارة أو الهندسة وغيرها. وما ينطبق على الإعلام قد لا ينطبق على بعض المهن الأخرى، فلا يمكن قبول خريج جامعي في وظيفة هندسية دون شهادة في الهندسة، أو محامٍ دون شهادة في القانون، أو طبيب دون شهادة في الطب، إلا أن الشهادة الإعلامية مفضّلة ولكنها ليست ضرورية للعمل الإعلامي. كثيرون من أبناء الوطن لديهم مواهب إعلامية متعددة، سواء في الكتابة الصحفية، أو التصوير الفوتوغرافي أو الإلقاء والتقديم التلفزيوني والقدرة على مواجهة الجمهور، ولكن هذه المواهب الإعلامية غير مستثمرة من قبل المؤسسات الإعلامية سوى بعض المبادرات مثل نشر صور الموهوبين في صفحات متخصصة، أو نشر المقالات الصحفية، والمساهمات الأدبية الأخرى. ولكن هذه المبادرات لا تكفي لاستقطاب هذه المواهب وتنميتها وصقلها وتأهيلها للممارسة الإعلامية الاحترافية حال استعدادها لخوض غمارها. وخلال فترة التسعينيات، حازت بعض الصفحات الخاصة بنشر مساهمات القراء من مقالات وإبداعات أدبية على شهرة وانتشار، وكانت منبراً احتضن بعض المواهب التي أبدعت لاحقاً في مجال الكتابة والإنتاج الأدبي. ولكن مع تبدل السياسات التحريرية وتشددها فيما يصلح وما لا يصلح للنشر، اختفت هذه المنابر أو أصبحت باهتة لا تستقطب إلا من يعرض مشكلة أو ينشر خاطرة، وأصبح فضاء الشبكة العنكبوتية بمنتدياتها ومدوناتها والصفحات الشخصية بديلاً عمليّاً وخاليّاً من قيود المحررين التقليديين، ولذا حدث عزوف من قبل الموهوبين عن المساهمة والتفاعل مع الصحف. أما بالنسبة للمؤسسات التلفزيونية أو الإذاعية المحلية، فإنها لا تكاد توفر فرصة للموهوبين من خارج الحقل الإعلامي للمساهمة في إعداد برنامج أو تقديمه. وغالباً ما تتاح الفرصة للموهوب للعمل الإعلامي عن طريق الصدفة، كأن يحضر مسؤول إعلامي احتفالاً ويُعجب بأداء مقدم الحفل، فيدعوه للعمل في التقديم التلفزيوني. وهناك شخصيات إعلامية معروفة، بدأت مسيرتها الإعلامية بهذه الطريقة. دائماً ما نشكو من قلة الإعلاميين المواطنين في مؤسساتنا الإعلامية، ونطالب بإيجاد الحلول لاستقطاب العناصر المواطنة والاهتمام بخريجي التخصصات الإعلامية وإتاحة الفرصة أمامهم للعمل الإعلامي. ومن الضروري أيضاً أن تتيح المؤسسات الإعلامية الفرصة للموهوبين من خارج الحقل الإعلامي والراغبين في ممارسة الكتابة الصحفية أو التصوير الفوتوغرافي، أو المساهمة في إعداد وتقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية من خلال إيجاد قنوات ومبادرات تفتح المجال أمام هذه المواهب، وتنمّيها وتستثمرها بطريقة مثلى، فقد تخرج من بينها كفاءات تحقق إضافة للعمل الإعلامي الوطني. هناك عدة مسابقات رائدة لكشف المواهب الإعلامية مثل مسابقة الشيخ ماجد بن محمد الإعلامية للشباب، وجائزة حبيب الرضا الإعلامية، وأيضاً جائزة النوى للإبداع الإعلامي في جامعة الإمارات. وقد كشفت هذه الجوائز منذ انطلاقتها عن إبداعات مواطنة لديها طاقات إعلامية، وتحتاج إلى الرعاية والاهتمام، فأين مؤسساتنا الإعلامية عنهم وعن غيرهم من المواهب المبدعة؟