تشهد الساحة السورية عملية سياسية تطلق عليها الحكومة السورية صفة إصلاحات سياسية، حيث تنطلق اليوم أول انتخابات لاختيار 250 عضواً في مجلس الشعب من بين 7195 مرشحاً منهم 710 نساء، فيما يبلغ عدد الناخبين 14 مليوناً، وتأتي هذه الانتخابات التشريعية بعد صدور قانون يسمح بالتعددية الحزبية في سوريا جاء من ضمن سلسلة إصلاحات أعلنتها السلطات بدأت بصدور دستور جديد للبلاد يلغي محورية الدور القيادي لحزب "البعث" القائم منذ خمسين عاماً. هذا في الوقت الذي تعتبرها فيه المعارضة السورية محاولة تجميل فاشلة لنظام الأسد، فالمعارضة وبعد ما يزيد عن عام على انطلاق الانتفاضة الشعبية وبعد سقوط حوالى 11 ألف قتيل حسب تقديرات بعض المصادر، تطمح إلى تغيير النظام لا تعديله، كل ذلك فيما يبدو أن التوازنات الدولية لا زالت تدفع في إطار بقاء النظام ما لم يتم التوافق على البديل السياسي لنظام الأسد. ويتواصل سقوط القتلى وتتصاعد التفجيرات على رغم وعود الحكومة السورية والمعارضة على حد سواء بالامتثال لخطة كوفي عنان، ولكنهما واقعيّاً لم تفعلا ذلك. وقد صرح أحمد فوزي المتحدث باسم عنان يوم الجمعة الماضي، بأن خطة السلام "على المسار" الصحيح، وعلى رغم عدم وجود إشارات كبيرة على امتثال الحكومة السورية للهدنة فإن هناك "إشارات محدودة". فهل يشكل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2042 حول سوريا وقرار إرسال مراقبين دوليين إليها وفق الشروط والصيغة التي أقرها مجلس الأمن، مخرجاً للأزمة السورية؟ لكن لماذا لم تتوقف وتيرة العنف أساساً؟ لقد تصاعدت الأزمة السورية وسط خلاف دولي وإقليمي واضح حول الموقف من الثورة السورية، ومع تصاعد انتقاد المجتمع الدولي للقمع وصدور قرارات من مجلس حقوق الإنسان، فيما فشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرارات حاسمة للتعامل مع الأزمة السورية، قبل أن يحصل فيه توافق في شهر أغسطس على بيان رئاسي يدين انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السورية، ويدعو إلى وقف للعنف، فيما حصل توافق دولي أيضاً في الجمعية العامة التي اعتمدت قرارين بشأن سوريا، ثم اعتمد مجلس الأمن بياناً رئاسيّاً ثانيّاً في شهر مارس الماضي يدعو فيه إلى تنفيذ جميع عناصر مقترح ممثل الأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي عنان، الذي كلف في أواخر فبراير بمهمة تقصي الحقائق ومحاولة إيجاد مخرج للأزمة السورية. وصدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2042، في 14 أبريل بشأن الحالة في سوريا وقد اعتمد تحت الفصل السادس من الميثاق (حل المنازعات سلميّاً). وينظر البعض إلى قرار مجلس الأمن 2042 بأنه صيغة توافقية تحمل عناصر فشلها، وخطة عنان أيضاً تنطلق على أساس بقاء النظام في دمشق فلم تورد الخطة طلب تنحي الأسد، فخطة عنان ذات النقاط الست تنهي التسوية بورشة حوار بين السلطة السورية وعلى رأسها الأسد ونائبة فاروق الشرع، والمعارضة السورية وعلى رأسها الدكتور برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري، فإذا لم تنجح خطة عنان المدعومة والمتضمنة في القرار الدولي فهذا يجعل الأزمة بنهايات مفتوحة، وغير معروفة. ولكن تجدر الإشارة إلى أن القرار اختتم بفقرة تنص على ما يلي: "يعبر -المجلس- عن نيته تقييم التقدم في تطبيق القرار والتفكير في إجراءات جديدة إذا لزم الأمر". واليوم يعمل في سوريا 39 جنديّاً غير مسلح إضافة إلى 16 موظفاً مدنيّاً، يقومون بتنفيذ مهماتهم في إطار خطة عنان، وقد أعلنت بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سوريا أن عدد مراقبي البعثة قد يصل إلى 225 بحلول 14 مايو. ولا تتمثل مهمة بعثة المراقبين في وقف القتال لأنها غير قادرة على ذلك، بل تتمثل في تزويد الأمم المتحدة بتقارير موضوعية حول ما يجري في سوريا. وسيبقى السؤال ماذا إذا فشلت مهمة بعثة مراقبي الأمم المتحدة؟ حتى اليوم لا يزال النظام السوري يراهن في بقائه على تصدع التوافق الدولي وعلى إنهاك المعارضة السياسية والعسكرية.