حكومة جديدة في الأردن، على رأسها رئيس وزراء سابق، حيث أعلن في عمّان عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور فايز الطراونة الذي تم تكليفه بقرار ملكي يوم 26 إبريل المنصرم بتشكيل وترؤس حكومة جديدة خلفاً لحكومة عون الخصاونة المستقيل من منصبه. وقد عرض الطراونة قائمة التشكيل الوزاري على العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني فأقرّها، وأدى الأعضاء قسَم اليمين الدستوري أمامه يوم الخميس الفائت. وفي هذه الحكومة المؤلفة من 30 وزيراً بينهم امرأة واحدة فقط و20 وزيراً جديداً، احتفظ الطراونة بحقيبة الدفاع، وبقي ناصر جودة على رأس الخارجية (منذ 2008)، وحمل عاطف التل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وخليفة خالد السليمان وزارة العدل، بينما أسندت الداخلية إلى الوزير السابق والجنرال المتقاعد غالب الزعبي. وقد وصف مراقبون تشكيلة حكومة الطراونة الجديدة بأنها "تقليدية"، كونها تضم محافظين وشخصيات من الحرس القديم. لكنها أيضاً حكومة أصحاب الاختصاص من الفنيين والقانونيين، بينما خلت تقريباً من الوجوه السياسية والحزبية. وربما يعود ذلك لطبيعة المرحلة التي تأتي فيها الحكومة، حيث أقر الطراونة نفسه بوجود ظرفية اقتصادية غير ملائمة، جراء الأوضاع الإقليمية والدولية، مما أدى إلى "خلل واضح في موارد الدولة من ناحية، وفي مسارات تدفق الاستثمارات العربية والأجنبية من ناحية أخرى". وستنحصر المهمة الأساسية لحكومة الطراونة في معالجة الاختلالات المالية، وإنجاز حزمة من القوانين الإصلاحية تمهيداً لإجراء الانتخابات النيابية، لا سيما مشروع قانون الانتخابات المطروح للنقاش في مجلس الأمة، وقوانين المحكمة الدستورية والأحزاب السياسية، واستكمال إجراءات تعيين أعضاء الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات... لذلك ينظر إليها على أنها "حكومة تصريف أعمال انتقالية"، وإن كان تكليفها قد جاء في وقت حساس، داخلياً وإقليمياً. أما عن رئيس الحكومة الدكتور فايز الطراونة، فهو شخصية معروفة في الوسط السياسي والاجتماعي الأردني، وأحد قياديي "التيار الوطني الأردني" قيد التأسيس، وكثيراً ما نسبته الصحافة إلى اليمين المحافظ. وقد سبق أن تولى رئاسة الوزراء في عامي 1998 و1999، وقبل ذلك شغل منصب رئيس الديوان الملكي ومناصب وزارية أخرى. وفايز أحمد محمود محمد خلف الطراونة، مولود في العاصمة الأردنية عمان عام 1949، وهو ابن السياسي أحمد باشا الطراونة، أحد شيوخ عشيرة الطراونة العربية المقيمة في جنوب الكرك. وقد تلقّى تعليمه في مدارس عمّان، وحصل على بكالوريوس في الاقتصاد من الجامعة الأردنية عام 1971، ثم تابع دراسته العليا في الولايات المتحدة، حيث حصل على شهادة الماجستير في العلوم الاقتصادية عام 1974 من جامعة جنوب كاليفورنيا، ثم على الدكتوراه من الجامعة ذاتها وفي نفس التخصص عام 1980. وبداية من منتصف السبعينيات، شغل الطراونة عدة مناصب رسمية رفيعة، حيث عمل مساعداً لرئيس التشريفات الملكية حتى عام 1980، ثم سكرتيراً اقتصادياً لرئيس الوزراء بين عامي 1980 و1984، فمستشاراً اقتصادياً لدى رئيس الوزراء أيضاً خلال الفترة من 1984 إلى 1988. وفي عام 1993 عين سفيراً لدى الولايات المتحدة، ثم رئيساً للديوان الملكي عام 1998، قبل أن يصبح رئيساً للوزراء في العام نفسه، خلال مرحلة شهدت مرض الملك الحسين وعودته من العلاج في الولايات المتحدة واجتماعه الشهير بمجموعة مختارة من الأمراء والأعيان والدكتور الطراونة نفسه لإبلاغهم تولية نجله الأمير عبدالله ولياً للعهد، ثم (في فبراير 1999) وفاة الملك الذي عبر بالأردن أخطر المراحل والتحديات منذ قيام جده الأمير عبدالله بن الحسين بتأسيس إمارة شرق نهر الأردن عام 1921. وكشأن الخصاونة، فإن الطراونة أيضاً لم يكن في حياته حزبياً أو نقابياً أو معارضاً، لذلك تعتبره المعارضة أحد أكثر رؤساء الحكومة مرونة وقبولاً بالتعليمات التي ترده من مراكز صنع القرار. وقد تردد مؤخراً أن استقالة الخصاونة جاءت لرفضه تمديد دورة مجلس النواب، حيث كان للقصر الملكي رأي آخر، كما تتحدث الصحف عن تمايز في موقفه من ممارسات الأجهزة الأمنية، ومن ملفات الفساد التي فتحت مؤخراً. ومن ذلك تصل الصحف القريبة من المعارضة إلى مطالبة الطراونة أن يثبت الآن بأن رئيس الوزراء يملك زمام المبادرة وقادر على اتخاذ قرارات حاسمة. ولاشك أن الطراونة، بحكم تجربته العملية وخلفيته الأكاديمية، قادر على فهم الواقع الاقتصادي الأردني والتعامل معه، حيث سجلت المديونية أرقاماً لم تبلغها من قبل، كما تفاقمت مشكلات الغلاء والفقر والبطالة، ويتواصل عجز الموازنة العامة... مما يتطلب الشروع الفوري في وضع خطط وبرامج اقتصادية تنقذ الأردن من أزمته التي بدأت تبتلع الطبقات الوسطى والفقيرة، محدثة هوة كبرى بين الأغنياء والفقراء. وإلى ذلك فقد أوجد الوضع الاقتصادي مطالب سياسية تنادي بالإصلاح، وقد تبناها بذكاء الملك عبدالله الثاني. لكن حكومة الخصاونة التي استمرت ستة أشهر في الحكم، لم تحقق إصلاحات كافية لإخماد الحراك الاحتجاجي بقيادة المعارضة. ويعتقد أن من شأن الحصيلة المتواضعة نسبياً للحكومة السابقة، ثم استقالتها المفاجئة، أن تُصعَّبا معاً مهمة الطراونة، إذ يتحتم عليه إقناع الرأي العام بجدية حكومته الجديدة في تطبيق الإصلاح الذي فشلت في إنجازه ثلاث حكومات سابقة. فحكومته هي الرابعة في الأردن منذ انطلاق "الربيع العربي" في يناير 2011، والثالثة عشر خلال عهد الملك عبدالله الثاني، مما يضع على عاتقها مهمة استثنائية، ألا وهي العبور بالإصلاحات المقررة، وتقليل التداعيات السياسية للوضع الاقتصادي، مع الاحتفاظ بعلاقة الانسجام التام بين الحكومة والقصر الملكي. لكن التحديات لا تتوقف عند هذا الحد، فعقب تأدية حكومة الطراونة اليمين الدستورية أمام الملك، تظاهرت المعارضة في اليوم التالي مطالبة بـ"إسقاط نهج وادي عربة"، مشيرةً إلى الدور الذي لعبه الطراونة في اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية، حيث كان عضواً في مفاوضات الجانبين بداية من عام 1991، قبل أن يترأس وفد التفاوض الأردني خلال عامي 1993 و1994. إلا أن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر منذ ذلك الوقت، ضمنها حكومة الطراونة الأولى، ثم حكومته الثانية والتي تأتي الآن في مرحلة تاريخية لها أولوياتها الخاصة ومطالبها المختلفة! محمد ولد المنى