نهاية "ماراثون" الرئاسيات الفرنسية... وبداية تسخين الحملات الأميركية! الدور الثاني الحاسم في الرئاسيات الفرنسية، وبداية المصالحة بين "هولاند" والشركاء الأوروبيين، وعناوين حملة أوباما الرئاسية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. يوم الحسم استقطب اقتراع الدور الثاني الحاسم اليوم الأحد اهتمام كتاب افتتاحيات ومقالات رأي كبريات الصحف الفرنسية، ونشطت بورصة التوقعات، وكذلك الدعوات إلى التأمل واستخلاص الدروس من معاني هذا الاستحقاق الديمقراطي المصيري بالنسبة لمستقبل الجمهورية. مدير صحيفة لوموند "إيريك زرايفيتش" كتب بهذه المناسبة مقالاً تحليلياً عميقاً حمل قراءة سياسية تدعو للوحدة الوطنية وتلفت الأنظار إلى المعاني الكثيرة الكامنة في هذا الاقتراع والأفق الذي يتوقع أن يفتحه على الشعب الفرنسي. واتجاه التحليل العام يُقرأ بوضوح من عنوانه: "العيش معاً"، حيث قال الكاتب إن هذا اليوم يعتبر موعداً فارقاً بالنسبة للفرنسيين الذين سيتوجهون إلى صناديق الاقتراع، للمرة التاسعة في تاريخ الجمهورية الخامسة، من أجل اختيار الرئيس الذي سيعهدون إليه بتسيير دفة الحكم في بلادهم طيلة السنوات الخمس المقبلة. وقد أظهر اقتراع الدور الأول أن البلاد الآن في حالة استقطاب واستياء شديدين، وأن الفرنسيين منقسمون على أنفسهم ضمن خطوط صدع سياسي وحزبي عمقتها تداعيات الأزمة المالية وتحولات عالم خارجي في حالة تحول، يحيط بهم من كل جانب. ويتيح الدور الثاني اليوم لـ44 مليون ناخب فرنسي فرصة الاختيار بين مرشحين ومشروعين سياسيين. وقد أظهرت تجاذبات الأيام الأخيرة الماضية حجم اتساع الشقة بين الرؤيتين المتنافستين اللتين يبشر بهما المرشحان، كلاً على حدة، ومن ورائهما اليمين الحاكم والمعارضة بألوان طيفها المختلفة. وفي الواجهة يبدو المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند، المتقدم في استطلاعات الرأي، الذي حرص خلال فترة ما بين الشوطين على تأكيد تعلقه بإعادة الاعتبار لقيم الجمهورية وفاعلية الاقتصاد، مع الاحتفاظ أحياناً بهوامش من الغموض البناء وقدرات بلاغة الخطاب على الإيهام لاجتذاب أكبر عدد ممكن من ناخبي اليسار والوسط. وفي المقابل حرص ساركوزي أيضاً على الاستفادة من نقاط القوة التي يتيحها له وجوده في سدة الحكم، زيادة على ما تمكن من تسجيله من نقاط قوة وإيجابيات خلال السنوات الخمس الماضية التي أمضاها في قصر الأليزيه. وكما كان متوقعاً لم يألُ ساركوزي جهداً في مغازلة جمهور الجبهة الوطنية واليمين المتطرف لكي يصنع الفارق في استحقاق اليوم، وإن كان فعل ذلك أيضاً بحذر شديد حتى لا يفقد جمهوره الأصلي في اليمين الجمهوري الحاكم. وكائنة ما كانت النتيجة اليوم، فإن في انتظار الفائز في هذه الرئاسيات -يقول الكاتب- حزمة تحديات بسيطة وهائلة في الوقت نفسه. وقد أشرت نتائج الدور الأول إلى بعض تلك التحديات. فعلى الطاولة بالانتظار هموم الفرنسيين الاقتصادية والمعيشية في المقام الأول وخاصة أن معدلات البطالة مرتفعة، وأحوال البؤس متفشية لدى بعض الشرائح، والمجتمع الفرنسي نفسه موشك على التفسخ والتفكك، كما صبّت تحديات العولمة الخارجية زيتاً على نار الغضب الداخلي، فشاع الحنق والخوف، وعاودت الناس تباريح الحنين إلى أيام زمن جميل آخر لم يعد له من وجود. ولذا فسيتعين على الرئيس الجديد، كائناً من كان، أن يعيد بناء أمة في حالة خور واستياء شديدين. وأن يعيد لها الثقة في نفسها وفي مستقبلها، ودورها الذي تستطيع أن تلعبه في رسم ملامح العالم الجديد البازغ. وهذا ما يفرض عليها العمل بجد واجتهاد لإعادة اكتشاف فضائل ومباهج العيش معاً في ظلال الوحدة الوطنية والقيم الجمهورية الفرنسية. وفي الأخير قال الكاتب إن هذا الأحد المصيري ينبغي أن يكون مناسبة لتحديد الثقة في فرنسا، وإعادة التعلق بقيم العيش المشترك، وفرصة لطي صفحة الماضي. إنه اقتراع سيكون له ما بعده، بكل المقاييس. وإذا لم يتمكن المرشح الذي سيفوز اليوم من إعادة تأسيس وإطلاق فرنسا جديدة، فإن ما سيكون في الانتظار في رئاسيات 2017 لن يقل عن تسونامي من الإحباط والاستياء وسيكون له بعده حقاً بالنسبة للديمقراطية الفرنسية. هولاند وأوروبا في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون ركز الكاتب فرانسوا سيرجان على أفق العلاقة بين فرنسا هولاند -في حال فوزه- وبقية الشركاء الأوروبيين الذين أظهرت بعض زعاماتهم اليمينية نفوراً واضحاً خلال الحملة من البرنامج الاقتصادي للمرشح الاشتراكي. ويرى الكاتب أن هولاند يسعى الآن بكل الوسائل الممكنة لطمأنة الشركاء الأوروبيين على مدى التزامه بكل ما من شأنه أن يخدم هدف استعادة النمو الاقتصادي في دول منطقة "اليورو"، وقد بدأت جهوده هذه تؤتي أكلها، حيث أصبح للمرشح الاشتراكي أيضاً مؤيدون أوروبيون يتنامى عددهم باستمرار، وفي مقدمتهم مدير البنك المركزي الأوروبي، ومعظم دول جنوب القارة، التي أرهقتها الأزمة المالية. وطبعاً تتباين المواقف وتتفاوت نسب التفهم والتأييد من دولة أوروبية إلى أخرى، ولكن ثمة انطباعاً عامّاً مؤداه أن الجفوة تجاه مشروع هولاند القاضي بمراجعة خطط التقشف قد بدأت تخف، ويكفي هنا الإشارة إلى أن ألمانيا نفسها، التي تعتبر حارس معبد وثوقيات الانضباط المالي، بدأت تبدي من الليونة والمرونة تجاهه أكثر مما كان متوقعاً. ومفهوم بالنسبة للزعامات اليمينية الأوروبية أن مرشحاً اشتراكياً، غير منتخب حتى الآن، ليس بطبيعة الحال محل احتفال وترحيب. وأكثر من هذا أن أوروبا عموماً من حقها التوجس من أية أعراض مقلقة في الموقف الفرنسي. ولا شك أن رياحاً غير طيبة تعصف الآن في عواصم الاتحاد من باريس إلى بودابست مروراً بأثينا ولاهاي. غير أن هنالك أيضاً هواجس من سريان العدوى الشعبوية عبر هشيم القارة، وهي العدوى التي تتخذ عادة ككبش فداء خاصة في ظلال الأزمة الكبرى. وهنا رأى وزراء الداخلية الأوروبيون باستياء مؤخراً فرنسا ساركوزي ووزير داخليته وهي تتلاعب في خطابتها بالنصوص التشريعية المؤسسة لحرية انتقال الأشخاص عبر حدود الاتحاد. ومع هذا فلا أحد يدعي أن البناء الأوروبي بمثابة ديانة. وعلي كل حال فقد أظهر الناخبون الفرنسيون في انتخابات الدور الأول، وأيضاً في شهر نوفمبر الماضي، مدى توجسهم تجاه نظام هو الاسم الآخر للتقشف والبطالة والليبرالية المفرطة. ومن حق هؤلاء الفرنسيين المستائين أن يستمع إلى أصواتهم. وهنا يتعين على هولاند أن يعيد مصالحة بلاده مع الاتحاد. وأن يبرهن على أن المشروع الأوروبي يمكن أن يعني أيضاً توافر الوظائف والعدالة الاجتماعية، مثلما كان عليه الحال في أيام جاك ديلور، وهذا هو النموذج المثالي لمشروع مرشح اشتراكي. وعلى الشركاء في الاتحاد، وألمانيا بصفة خاصة، مساعدة هولاند على النجاح. على الأقل من أجل أوروبا أخرى جديدة. حصيلة أوباما في صحيفة لوفيغارو نشر الكاتب "إيف تريّار" مقالاً بعنوان "أوباما، رئيس حرب في حملة انتخابية" قال فيه إن الرئيس الأميركي يجد نفسه الآن وهو يخوض حملته من أجل إعادة التجديد لولاية ثانية، مضطراً لاستحضار الطريقة التي تعامل بها مع تركة سلفه الذي ترك له حربين غير ناجزتين في العراق وأفغانستان، وأخرى مفتوحة ضد الإرهاب. وقد تمكن أوباما من تحقيق مكاسب ملموسة على جميع هذه الجبهات تكللت بالانسحاب من بلاد الرافدين، وتحديد سنة 2014 موعداً نهائيّاً للانسحاب من أفغانستان، كما حقق نتائج كثيرة في الحرب على الإرهاب عجزت عن تحقيقها الإدارة السابقة، منها مقتل بن لادن. ولا شك أن كل هذه النتائج الإيجابية حضرت في مؤتمره الانتخابي الأول أمس السبت في ولاية فرجينيا، يقول الكاتب. والمفارقة أن أوباما ذا النزعة السلمية، والحائز على جائزة نوبل للسلام سنة 2009، وصاحب خطاب القاهرة الشهير للمصالحة مع العالم الإسلامي، يجد نفسه اليوم مضطراً لخوض حملة انتخابية صعبة تحت يافطة قائد حرب. وفي صحيفة لوفيغارو أيضاً رصد الكاتب "جان- سباستيان ستيلي" هفوات حملة المرشح الجمهوري المنافس "ميت رومني" قائلاً في البداية إن كل مرة يفتح فيها رومني فمه تضيع عليه فرصة صمت ذهبية. فكلما تكلم تتوالى الهفوات الخطابية، مثلما وقع الأسبوع الماضي حين نصح الطلاب باستعارة أموال من ذويهم لتمويل دراستهم، وكأن جميع الأسر الأميركية ذات ثروات طائلة -مثله- لكي تستطيع تمويل تعلم أبنائها بمائتي ألف دولار! وقد سخر الكاتب الشهير بول كروجمان من هذه الهفوة في عموده. وكذلك بدلاً من أن يجيب على أسئلة تحقيق لنيويورك تايمز حول برنامج تمويل أطلقه ابنه "تاغ" سنة 2008، خلط رومني بشكل أخرق بين الاقتصاد والسياسة، مطلقاً سجالاً آخر مع أوباما حول واقعة مقتل بن لادن. إعداد: حسن ولد المختار