قرار إنشاء خط لنقل النفط من حقول حبشان إلى ميناء الفجيرة سيجعل الإمارات تخرج من "عنق"مضيق هرمز الذي يشكل المنفذ الرئيسي لنفط الخليج العربي. فهذا الخط الذي اكتمل إنشاؤه وتبلغ طاقته 1.8 مليون برميل يومياً وسيبدأ التصدير منه في شهر أغسطس القادم كما صرح وزير النفط، سيلغي أثر مضيق هرمز على قرار تصدير النفط من الإمارات، كما سيحرر فكرة تصديره 60 في المئة من نفط العالم الذي يمر في المضيق من الضغوط السياسية التي تمارسها إيران بسب تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز كلما اشتد عليها الخناق بسبب مشكلاتها مع المجتمع الدولي. والخروج من المضيق يعد من القرارات الاستراتيجية التي تحتاجها دول الخليج العربي لأسباب كثيرة، وأذكر أنني كتبت في الثامن والعشرين من شهر يناير عام 2010 مقالاً في إحدى الصحف العربية بعنوان "نحو خط تابلاين خليجي" أشرت فيه إلى أهمية أن تسعى دول الخليج العربي لإنشاء خط لنقل النفط يتجاوز المرور بمضيق هرمز، خاصة وأن معظم حقول النفط في هذه الدول تقع على شريط جغرافي واحد يمر بجانب الساحل الغربي للخليج العربي من شماله إلى جنوبه. كما أن نقل النفط خارج مضيق هرمز سيحقق أهدافاً كثيرة من أبرزها التخفيف من التلوث، ففي الحروب التي شهدتها المنطقة أصيبت مياه الخليج العربي بالتلوث، وأدى ذلك إلى انقراض العشرات من الأحياء المائية والطيور، ففي أثناء احتلال القوات العراقية للكويت تم تدمير المنشآت النفطية، ما أدى إلى تلوث مياه الخليج بـ 910 ملايين لتر تقريباً من النفط، كما أدت لغرق 80 سفينة كان الكثير منها يحمل نفطاً، أو مواد كيماوية إضافة إلى عشرات الناقلات التي تدخل الخليج العربي يومياً وتقذف بمخلفاتها النفطية وغيرها في المياه. وعلى الرغم من الخطوات التي اتخذتها دول المنطقة بمنع ناقلات النفط من تفريغ حمولتها من المياه الملوثة بالنفط داخل مياه الخليج، فإن التلوث ما زال مستمراً وتقارير البيئة الدولية تشير إلى أن نسبة تلوث مياه الخليج تبلغ 47 ضعفاً عن المستوى العالمي لتلوث البحار! فناقلات النفط وحدها تتسبب بـ 45.5 في المئة من التلوث في الخليج كما يذكر ذلك د.عبدالعزيز السويلم، أستاذ البيئة في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. ولا شك أن الاستمرار في هذا سيجعل من مياه الخليج العربي مياهاً ميتة في يوم من الأيام خاصة وأنه بحيرة شبه مغلقة، ولذا فإن مبادرة الإمارات بإنشاء خط لنقل النفط خارج مياه الخليج العربي إلى المياه المفتوحة سيسهم في تخفيض نسبة التلوث التي تشهدها المياه حالياً، كما سيحافظ على ما تبقى من الكائنات الحية في مياه الخليج العربي. وإذا كانت الإمارات قد بدأت هذا المشروع، فمن المؤمل أن تبادر دول الخليج العربي الأخرى لإنشاء مثل هذا الخط لنقل نفطها. ولعل مشروعاً خليجياً مشتركاً بين دول مجلس التعاون الخليجي في إنشاء خط أنابيب مشترك لنقل النفط خارج الخليج لتأمين تدفقات النفط ولحماية الخليج من التلوث يمكن أن يحقق ذلك وهناك نماذج سابقة لهذا المشروع مثل خط "التابلاين" الذي أنشئ عام 1948 بطول 1600 كيلومتر لنقل النفط السعودي إلى ميناء صيدا اللبناني، وخط النفط العراقي الذي يبلغ طوله 600 كيلومتر، ويمتد من منابع النفط في كركوك ليصب في ميناء جيهان التركي. ويمكن للمشروع المقترح أن يمتد من منابع النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، ليصب في إحدى المدن الخليجية التي تقع خارج مياه الخليج العربي، وتمتد المياه فيها إلى مساحات واسعة ومفتوحة في خليج عمان، أو بحر العرب اللذين يتصلان بالمحيط الهندي، أو البحر الأحمر الذي يربط بين بحرين واسعين. إن وجود هذا الخط لن يخدم مسألة نقل النفط فقط، أو تخفيض نسبة التلوث فقط، بل ستكون له آثار اقتصادية كبيرة، إذ أن ذلك سيؤدي إلى تقصير مدة وصول ناقلات النفط إلى الموانئ داخل الخليج العربي وتوفير تكلفة النقل، كما أنه سيوجد تنمية واسعة في المدن، أو المناطق التي ستكون موانئ لتصدير النفط. ويمكن إنشاء خدمات مساندة لعمليات الشحن، وإنشاء صناعات بتروكيماوية، ما سيوجد فرص عمل واسعة لأبناء المنطقة. إنشاء هذا المشروع سيدفع بالمنطقة إلى خطوات متقدمة، وسيؤدي إلى استقرار اقتصادي يسهم في التنمية الإقليمية. كما أنه سينقل مشروعات المجلس من القرارات والتوصيات إلى العمل الجاد الذي يربط دول المنطقة في مشروعات اقتصادية مشتركة. ولعل تحويل مشروع خط نقل النفط إلى مشروع مشترك تقوم به شركة استثمارية تسهم فيها الحكومات والقطاع الخاص يضمن له البعد عن المعوقات الإدارية والسياسية. وإذا كانت دول المجلس قد قطعت شوطاً في مشروع القطار الخليجي، فإن مشروع خط النفط لا يقل أهمية عن ذلك، بل ربما كان أكثر أهمية. لقد بادرت الإمارات بخطوتها الاستراتيجية المتميزة واستطاعت أن تكسر حاجز التهديد بإغلاق مضيق هرمز وآن لدول الخليج العربي أن تبادر هي الأخرى بمثل هذه الخطوة حتى تخرج من "عنق" هرمز! د. سعيد حارب كاتب إماراتي drhareb@gmail.com