عادة ما تدعي الصحف أن وظيفتها إخضاع الأقوياء للمحاسبة والتحقيق. والقاضي برايان ليفيسون المعين من قبل رئيس الوزراء البريطاني للتحقيق في فضيحة التجسس على الهواتف، والمتهم فيها القطب الإعلامي روبرت مردوخ، يشتكي من أنه يسمع هذه الكلمة كثيراً من الصحفيين الذين لا يفعلون أكثر من تتبع أخبار المشاهير. ورغم شكوى ليفيسون، فالحقيقة أن تلك القدرة على مواجهة الأقوياء وكشف الحقائق المتعلقة بهم مهما كان نفوذهم، ترتبط في أذهاننا بالصحافة وبدورها في البلدان الديمقراطية، وهو ما يتبين من الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه "إذا كنت تريد مردوخ فاضغط على حرف (أم)". لمؤلفيه مارتين هيكمان الصحفي في الإندبندنت، وتوم واتسون عضو البرلمان البريطاني الذي أثار مبكراً قضية التنصت على الهواتف التي تورطت فيه مؤسسة "نيوز إنترناشيونال" المملوكة لمردوخ. يقول المؤلفأن إن العلاقة بين "نيوز إنترناشيونال" وشخصيات سياسية بريطانية نافذة، ومسؤولين كبار في الشرطة، كانت "علاقة مريحة لدرجة تشي بما يكتنفها من فساد، حيث قدم هؤلاء المسؤولون الرعاية والحماية لتلك المؤسسة وقاموا بالتغطية على الكثير من انحرافاتها التي لم تتكشف سوى في الآونة الأخيرة. وما يعطي الكتاب أهمية خاصة أن كلا من واتسون وهيكمان يمثلان جزءاً لا يتجزأ من الرواية، وهما يتحدثان بضمير الغائب، فيقولان مثلاً: "في السابع من يونيو، وفي مقر البلدية في ويستمينيستر، تم اجتماع آخر ضم توم واتسون، ونيك ديفيز، ومارتن هيكمان". وفي موضع آخر يقولان: "في هذا الاجتماع هاجم توم واتسون خضوع القادة السياسيين الثلاثة الكبار في بريطانيا لنفوذ مردوخ". ويدعي واتسون في الكتاب أنه جرى تعقبه ومطاردته من قبل مسؤولي "نيوز إنترناشيونال"، وهو ما حدث أيضاً للمحامين الذين تولوا قضية التنصت التي قامت بها المؤسسة. وتكشف مذكرة سرية منشورة في الكتاب، الأساليب والوسائل التي كان يتم بها إرهاب وترويع خصوم "نيوز إنترناشيونال"، كما يكشف أن لجنة الثقافة والإعلام والرياضة المعينة، قررت عدم المضي قدماً في إجراءات مطالبة "ربيكا بروكس"، المديرة التنفيذية لمؤسسة "نيوز إنترناشيونال"، بتقديم بعض المعلومات والأدلة المطلوبة، لأن أعضاء تلك اللجنة خشوا من انتقامها، كما يوضح عضو البرلمان السابق آدام برايس: "إذا ما ذهبنا إليها فإنهم سوف يذهبون إليها وسوف يقومون بالتوغل في حياتنا الخاصة كي يعاقبوننا". وواتسون وهيكمان ليسا مهتمين بفضيحة التنصت بقدر ما هما مهتمان بمحاولات التغطية على المعلومات الأولية التي تسربت عنها عام 2006، كما يهتمان بانهيار خطوط دفاع "نيوز إنترناشيونال" في يوليو 2011 عندما قام محرر "مارق" هو كليف جودمان، محرر شؤون القصر الملكي، بكشف مروق صحيفة "نيوز أوف ذي وورلد" التابعة لمردوخ. وبعد الإغلاق السريع للصحيفة واعتقال صحفيي يومية "ذي صن"، والمخاوف من أن يكون قد حدث اختراق للبريد الإلكتروني لـ"التايمز"، وما نتج عن ذلك من فضائح طالت مردوخ... يتساءل المؤلفان: هل سنشهد قريباً سقوط شركة "مارقة" أخرى؟ وهل يمكن التضحية بـ"نيوز إنترناشيونال" من أجل حماية "نيوز كوروبوريشين"، وحماية العنكبوت الذي يعشش في قلبها، روبرت مردوخ؟ الحقيقة أن مردوخ يكمن خلف كل صفحة من صفحات الكتاب، بل ويتدخل أحياناً في الرواية، لكن هيئته لا تبدو بشوشة كما كانت دائماً، بل تشوبها ملامح قلق، لاسيما بعد أن وجه إليه القاضي ليفيسون الاتهام مؤخراً. ومن خلال حجج مقنعة للغاية يوضح المؤلفان أن طريقة مردوخ في إدارة العمل هي التي جعلت من حدوث التنصت احتمالاً وارداً وليس مجرد مخالفة عارضة، وجعلته جزءاً من نسق تحقيق الربح بأي طريقة حتى لو كان ذلك بخرق القواعد". المؤلفان يذهبان إلى القول بأن"الفساد والإفساد" الذي مارسه مردوخ في بريطانيا يتجاوز ذلك بكثير، إذ يقولان إن هناك أجيالاً من القادة البريطانيين قد تزلفوا لمردوخ وصحفييه من أجل تأمين الأصوات، وكانوا يوفرون له الظروف لتحقيق مصالحه دون أن يناله عقاب. ويكشفان شراءه حكوماتٍ من خلال استخدام نفوذه وقوته، ومن خلال معرفته الكثير عن حياتهم الخاصة، ومن خلال قدرته على النفاذ والوصول للناخبين "المتأرجحين" في مختلف أنحاء بريطانيا... وهي اتهامات ثبتت من خلال الفضائح التي تكشفت في الأشهر الأخيرة. سعيد كامل -------- الكتاب: إذا كنت تريد مردوخ اضغط على حرف "أم" المؤلفان: توم واتسون ومارتين هيكمان الناشر: بلو رايدر برس تاريخ النشر: 2012